ليس لأنها مدينة شيدت أسوارها ذات نهار موغل في التاريخ بوادي غير ذي زرع في صحراء مقحلة، وليس لأنها محرومة من تدفق شواطئ البحار وبريق مياه الأنهار، بل لأنها الرياضالمدينة التي ضمت إلى صدرها ساكنيها منذ بيوت الطين، والأزقة الضيقة، وضيق ذات اليد. فالرياض هي المدينة القادرة على استيعاب زفرات ساكنيها، وخلق مبادرات للفرح في قلب الصحراء المقحلة منذ زمن قرع طبول الأعراس على ضوء سراج يئن في جوف الظلام. إلا أن الإرادة القوية أبت إلا أن تجعل الرياض بالرغم من جفافها المناخي، وموقعها الجغرافي عاصمة تتزين أحياناً كثيرة بشالها الشرقي المحافظ لتشكل مساحات للتواصل الاجتماعي على منصات البنى التحتية التي أفرزتها الحضارة المدنية الجديدة، وشكلها السعي الحثيث نحو تحقيق نسيج اجتماعي يزخر بمؤسساته المدنية وهويته الحديثة. من هنا كانت الرؤية جريئة وواضحة، بغية ألا تزحف أرصفة الأسمنت وأعمدة الخرسانة على كل تفاصيل المشهد، في محاولة حقيقية للحفاظ على حيز للإنسان في المدينة الكبيرة، يجد فيه تواصله الاجتماعي، وتعلو في ذلك المكان ضحكات الأطفال وأحاديث الناس. في البدء كانت الأنسنة، هكذا أسمتها أمانة مدينة الرياض حين أطلقت مبادرتها نحو الاهتمام بحيز الإنسان وسط كتل الحضارة الخرسانية، أنسنة تحاول أن تجد للإنسان حيزاً يمكنه فيه أن يمشي على قدميه بأمان، وأن يلهو فيه الأطفال ويمرحون، وبالقرب منه يمكن أن يجد الشباب مبتغاهم من اللعب وممارسة أنواع من الرياضة، وذلك في ساحات صممت بشكل عصري، وأنشئت في أحياء مختلفة من العاصمة الرياض. وإلى عهد قريب كان سكان العاصمة يهربون نهاية كل أسبوع لينتشروا في المناطق الخالية القريبة من المدينة بغية الترفيه، إلا أنهم اليوم ومن خلال خطة ترمي إلى إنشاء 100 ساحة متفرقة على أحياء الرياض يمكنهم أن يروحوا عن أنفسهم وأطفالهم في مكان نظيف ومزود بكثير من الخدمات. فساحات البلديات التي أقيمت في أحياء كثيرة من العاصمة باتت متنفساً حقيقياً لساكنيها، يتشاركون فيها كل يوم وقتاً للمشي والجلوس إلى المسطحات الخضراء، والتواصل بين الناس. ويبدو أن التجربة التي بدأتها أمانة مدينة الرياض منذ بضعة أعوام تقودها للتوسع في تخصيص مساحات في الأحياء لتلك الساحات، فقد أعلن أمين منطقة الرياض المهندس عبدالله بن عبدالرحمن المقبل أن الأمانة ماضية قدماً لإنشاء 100 ساحة بلدية متكاملة الخدمات والمرافق إضافة إلى إنشاء البرحات والحدائق في كافة أحياء مدينة الرياض. منظر عام لإحدى الساحات البلدية في الرياض وتبدو أمانة العاصمة الرياض ماضية في سعيها نحو مزيد من أنسنة المدينة المترامية الأطراف، فقرابة 30 كلم جعلت العاصمة السعودية في قائمة المدن العالمية الصديقة للمشاة، وذلك بعد أن أهلت الأمانة شوارع في أحياء مختلفة من العاصمة لجعلها مهيأة للمشاة، تتمتع بتصميم يوفر السلامة للمشاة، ويعطيهم مساحات تمكنهم من السير في تلك الطرقات بحرية وأمان كبيرين. فقد تم تجهيز الممرات بالأرصفة العريضة لتكون مهيأة للمشاة ولذوي الاحتياجات الخاصة، وزودتها بالخدمات المناسبة من مواقف للسيارات والتي تتجاوز في مجملها 2843موقفا للسيارات، وأماكن لجلوس المشاة وأشجار النخيل والبالغة أكثر من 3343 نخلة وشجرة، إضافة إلى الإضاءة المناسبة والبالغة أكثر من 2713 عمود إنارة، وكذلك اللوحات الإرشادية والأشكال الجمالية. ساحات البلدية مجهزة بأحدث الملاعب الرياضية ومضامير المشي