من المسلّم به أنه يمكن للبيئة العمرانية في مدننا أن توفر فرصة لجعل المشي واستخدام الدراجة آمناً وجاذباً، بل ممتعا. وقد تضافرت الدراسات على أن المدن صديقة المشاة تحسن صحة ساكنيها، ففي البيئات التي تشجع المشي تقل السمنة والأمراض المزمنة، والعكس صحيح، ففي واقع الأمر لن يمشي الناس ولن يستخدموا الدراجة كما يجب في شوارعنا ان لم تكن شوارعنا آمنة حتى لو كان الدافع أمراً مهماً مثل تحسين الصحة.، وفي المقابل فقد أثبتت التجربة في مختلف مدن المملكة إنشاء كيلومترات ضئيلة نسبيا من الأرصفة المخصصة للمشي الملحقة بالحدائق أو حول الأسوار الطويلة شجع الكثيرين على ممارسة رياضة المشي من أجل الصحة. إن تخطيط بيئتنا العمرانية الذي رسخ ثقافة السيارة هو من أهم أسباب السمنة وانتشار الأمراض المزمنة، وفي هذه الظروف فإن كل التحسن الذي سيحدث بالمشي الذي يمارس في كل مضاميرنا، لا يساوي شيئا مقارنةً بما سيحدث لو أصبحت شوارعنا ومدننا صديقة للمشاة، وبيئة تشجع المشي، ولإجراءات تسهيل المشي في المدن ورعاية حقوق المشاة وتحسين النقل العام له أفضل الأثر في تحسين الصحة العامة وبشكل تلقائي، ولأن بيئتنا العمرانية مصممة للسيارات أصبحنا ندعو لمشي "مصطنع"فنأخذ أنفسنا إلى مضمار معد للمشي من أجل أن نمارس فيه المشي كرياضة. وللاسف ان الأمر لا يختلف كثيراً عن كثير من المدن العربية، ففي عام 2009م حضرت والقيت ورقة في مؤتمر بأغادير في المغرب عن المشي والتجوال بالمدن العربية ودور الأمانات، فقُدِمت فيه تجارب "معزولة" لمنشآت لتشجيع المشي والدراجة وتحسين الأداء السياحي، وهذه التجارب في الغالب لا ينتظمها تخطيط شامل لكل المدينة كما يحدث في الدول المتقدمة. تثبت الدراسات أن البنية التحتية المطلوبة في المدن لتشجيع المشي وركوب الدراجة توفر فرص عمل أكثر، كما أن البنى التحتية المشجعة للمشي والدراجة تجذب الأنشطة التجارية والاستثمارات وتحسن دخل عاملي الأنشطة التجارية الصغيرة والسياحية. كما البنية التحتية المطلوبة لتشجيع المشي واستخدام الدراجات أقل كلفة من إنشاء الخطوط السريعة، للسيارات بل تشير الدراسات إلى أنها تقلل الحاجة أساساً لإنشاء الخطوط السريعة، خصوصاً إذا ما اقترنت بنظام متطور للمواصلات العامة، وإعادة ترميم البنى التحتية والتخطيط للتوسع لتشجيع المشي والدراجة لابد أن يبدأ عاجلا، فأمامنا عشرات السنوات لإصلاح ما فسد، فمن حقنا أن نطالب ببيئة تشجع المشي، وأن تصل أصواتنا لأمناء المدن والبلديات، لأن صحتنا والتنمية في مدننا تستحق ذلك وأكثر. وحتى لو لم تصبح مدننا بيئة تشجع المشي في القريب العاجل، فلا أقل من أن يتوازى الإصلاح المطلوب مع إنشاء المزيد من مضامير المشي فهو توجه مشكور، أسهم في نشر ثقافة المشي من أجل الصحة. والله الموفق. *أستاذ مساعد في طب الأسرة والمجتمع والمشرف العام على مركز تعزيز الصحة