اختلف الشعراء في نظرتهم إلى الشكوى.. فهناك مَنْ يرى أنه لابُدَّ من التفريج عن الصدر والترويح عن النفس بالبوح والشكوى لذي مروءة وحكمة، وصداقة ومودة.. فهو يساعد على السلوى، ويخفف مرارة الشكوى، ويقسم الحزن على اثنين، ويفرِّج عن الحزن الدفين، فإن أقتل الحزن دفينة، ويُمَثِّل هؤلاء بشار بن برد الذي يقول: ولابُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَة يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع وهناك من ينهى عن الشكوى أشدّ النهي، ويسيء الظن بالناس إلى آخر حد، ويُمثّل هؤلاء أبو الطيب المتنبي حين يقول: وَلا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فَتُشْمِتَه شكوَى الجريحِ إلى الغِرْبانِ وَالرَّخَمِ ومثله أبو صخر الهذلي الذي يدعو إلى الصبر والتجلد خوف الشماتة: وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ أما أبو تمام فيرى أنّ كثرة الشكوى غير واردة، ولا تصح عادة، والاستثناء الوحيد هو حين تفيض النفس: شكوتُ وما الشكوى لمثلي عادة ولكنْ تفيضُ النفسُ عند امتلائها