كان قرار مجلس الوزراء الموقر بتخفيض وإلغاء وتجميد بعض العلاوات والمميزات الوظيفية للموظفين الحكوميين في قطاعات الدولة محور النقاشات العامة والخاصة في المجتمع، وساد الحديث عن الموضوع التجمعات العائلية والأحاديث الثنائية وصولاً إلى الاجتماعات الرسمية ووسائل الإعلام. وعلى الرغم مما تظهره القرارات والتعليمات الصادرة من استهداف خفض النفقات العامة والحد من تزايد تكاليف البدلات والعلاوات وتأثيرها على الميزانية العامة للدولة، إلا أن الجانب التقشفي ليس هو المستهدف الوحيد، فمن وجهة الاقتصاد الكلي تحقق القرارات الصادرة العديد من المكاسب للاقتصاد الوطني منها: تقليص فاتورة الواردات والتي تزايد الرقم القياسي العام لها بنسبة نمو سنوي تقارب ال"10%"، في الأربع سنوات الأخيرة، حيث لا يخفى على الجميع تأثير السلوك الاستهلاكي وتحوله إلى نمط معيشة سائد في مختلف فئات المجتمع وأضراره الاقتصادية والاجتماعية فهو يؤدي إلى تزايد الواردات وزيادة حجم التحويلات المالية للخارج سواء في شكل واردات أو حتى في شكل إنفاق على الرحلات السياحية المغادرة للخارج والتي زادت من "78" مليار ريال إلى "96" مليار ريال عام 2015م، بزيادة تقارب "23%" خلال سنة واحدة وهو يمثل أحد أهم جوانب النزف المالي والخلل في ميزان المدفوعات للمملكة، إضافة إلى أن زيادة الاتكالية لدى الأفراد وزيادة الإنفاق على العمالة المنزلية والتي تضاعفت تكاليف استقدامها ورواتبها ما أدى إلى الزيادة المستمرة في الحوالات الخارجية. إن تخفيض المميزات الوظيفية والإنفاق يسهم في تباطؤ معدلات التضخم الشامل في المملكة، وبالأخص في فئتي الأغذية والسكن؛ ما يسهم في تصحيح أسعار العديد من السلع الضرورية لحياة المواطن اليومية، فقد واصل مؤشر التضخم تباطؤه، ليصل إلى 3,3 بالمئة في أغسطس، ويتوقع استمرار هذا الانخفاض في الشهور القادمة. أيضا فإنّ إلغاء البدلات الخاصة ببعض الهيئات الحكومية ساهم في تصحيح اختلال هيكلي في نظام الرواتب والأجور في الدولة، فهناك فئات من الموظفين تحصل على امتيازات وظيفية قد تتجاوز "55%" من الراتب الأساسي بينما غالبية موظفي الدولة لا يحصلون إلا على الراتب الأساسي وبدل النقل ما أوجد شعورا بعدم الرضا من غالبية موظفي القطاع الحكومي باعتبار تمييز أقلية منهم بمميزات مالية لا ترتبط بمقدار الجهد أو التميز في الأداء، وجاءت القرارات الأخيرة لتحقق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين موظفي الحكومة. إن هذه التعديلات قد لا تلائم جميع العاملين في القطاع الحكومي وعليه فإنه من الممكن أن ينتقل عدد كبير من موظفي الحكومة الذين هم على رأس العمل الآن إلى القطاع الخاص أو يسعون للحصول على التقاعد المبكر، ما يتيح الفرصة لتجديد دماء الكوادر الحكومية واستقطاب للشباب والخريجين الجدد الأمر الذي يسهم في معالجة جزء من مشكلة البطالة في فئة الشباب الخريجين حديثا وبمؤهلات وكفاءات متميزة. وأخيرا إن هذه الدولة قامت على مبدأ التواصل والمشاركة بين القيادة والمواطنين عبر أبواب مفتوحة وحوارات دائمة فيما يمس حياة المواطنين وأمن البلد وسلامة حدوده إضافة للجوانب المعيشية وعليه فإن القرارات والأوامر جاءت شاملة لجميع الموظفين الحكوميين، فكان التخفيض للوزراء ومن في حكمهم وأعضاء مجلس الشورى، تأكيدا على العدالة والتساوي أمام القرارات السامية لما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين. *مدير عام مركز المعلومات والأبحاث السياحية "ماس" في الهيئة العامة للسياحة والآثار