جوار أخوي وتكافل وتعاون في المناسبات وإيثار للخير، هكذا كانت علاقة الجيران بين بعضهم البعض في السابق، غير أن العلاقة حالياً لم تعد كالسابق فقد تغيّرت وأخذت شكلاً في مجتمعنا ومخالف لما أوصانا به رسول الله من حق الجار على جاره. ويرجع مختصون اجتماعيون السبب إلى تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية قد استحدثت في المجتمع مثل خروج المرأة إلى العمل الذي قد يكون أضعف قوة علاقتها بجيرانها فلم تعد تجد الوقت الكافي لإقامة روابط مستمرة مع جيرانها، إضافة إلى تغير نمط الحياة المتسارع وكثرة انشغال أفراد المجتمع بالماديات وكسب العيش وتخوف البعض من تقارب الجيران خشية إطلاعهم على خصوصيات وأسرار البيت، أو تجنبا للمشاكل التي قد تحدث بين الجيران، فما أسباب تراجع العلاقة بين الجيران؟ وما كيفية تنمية هذه العلاقة المهمة والضرورية لسلامة المجتمع مما ينخر فيه من آفات حالياً؟ افتقاد الذوق ورأت السيدة نورة عبدالله -معلمة مرحلة ابتدائية- أهمية قصوى للعلاقات الاجتماعية بشكل عام والجيرة بشكل خاص، ولكن بحدود الذوق العام، وتقول: لا نستطيع أن ننكر أهمية العلاقات بين الناس ولكن وللأسف نحن مجتمعات تفتقد للذوق العام في التعامل الأمثل بين الجيران، فلأعطيك مثالاً على ذلك حالتي الشخصية فبحكم عملي في الوظيفة وأم لأربعة أبناء فليس لدي الوقت الكافي للزيارات اليومية للجارات أو حتى السؤال عنهن في الهاتف لذلك أكتفي بالزيارات الرسمية التي تقام كل شهر مرة والاطمئنان عليهن عبر تطبيق الواتساب بقروب الجارات، ولأكون صريحة أكثر فقد جربت قبل ذلك عندما كنت أسكن في منزلي السابق من تعامل إحدى الجارات فقد كانت تفتقد لأبسط ذوقيات التعامل فكانت دائمة الحضور لبيتي بدون موعد مسبق، مما يستفزني في مواقف كثيرة ويضيع معها وقتي، ولأنني بطبيعتي لا أحب تطفل الجيران على حياتي العائلية وطبيعة عملي لذلك قررت مع انتقالي لهذا المنزل أن أضع حدا ثابتا للتعامل مع الجارات حتى لا أترك لبعضهن ممن يفتقدن لذوقيات الزيارة فرصة تضييع وقتي فيما لا يفيد من القول أو العمل. جيران مثل الكنز في حين لا تستطيع السيدة منيرة الجربوع إقناع والدتها بالانتقال للمنزل الجديد في حي راقٍ بسبب تعلقها بجاراتها التي جاورتهم لأكثر من عشرين سنة وتقول: بذلنا أنا وأخوتي المستحيل لإقناع والدتي بقبول الانتقال إلى منزل جديد يقع في حي راقٍ به أغلب أقاربنا، ولكنها رفضت رفضا قاطعاً بحجة تعودها على جاراتها اللاتي جاورتهن لمدة طويلة من العمر، مضيفةً: أنا أؤيد بأن علاقة الجيران تغيرت عن السابق ولم تعد فيها نفحات الماضي فقد كان الجار يحتاج لجاره في كثير من الأمور المادية أو المعنوية أما الحال الآن فيستغني الجار عن جاره لوجود البدائل حتى لو استعان بمن يستأجر لمساعدته بل وصل الحال في هذا الزمان بأن أصبحت طلبات الجيران هماً ثقيلا عند بعض الناس، وهذا مبدأ والدتي عندما نصر عليها بالانتقال لمنزلها الجديد فهي ترى بأن الجيران كالكنز لا يعوضهم منزلاً ولا أثاثاً. مصدر إزعاج على النقيض من ذلك نجد الشاب خالد عبدالله -موظف قطاع خاص- يرى بأن الجيران هم مصدر إزعاج ولا ينبغي أن الجار يوطد علاقته بجارة ويقول: لدي جار لا يراعي الجيرة وليس هو فقط بل وحتى أبنائه، فهم دائما ما يتطفلون على بيتي خاصةً وقت المساء عندما يزورني أقارب أو معارف ويوقفون سيارتهم بمواقف بيت جاري في هذه الحال يجن جنون الجار ويأتي غاضباً لطلب سحب السيارات مما يسبب لي الحرج من ضيوفي حتى وصل بأحد المرات أن أفرغَ أحد أبناء جاري هواء أطار سيارة قريبي مما سبب له التعطيل والتأخير والحرج الشديد لي. علاقات العائلة وتستذكر أم عبدالرحمن الذكريات كما أسمتها "الجيرة الطيبة" وتقول بأن الجيران سابقا كانوا أول من يبارك لنا في المناسبات والأفراح وهم دائما أول المدعوين، قبل الأقرباء، وفي الأتراح كان الجيران أيضا هم أول من يهب للمواساة، وتتنهد بحسرة: الحال تبدل هذه الأيام، وبات الجار بعيدا عن جاره كل البعد، فأصبح الجار يتحاشى الخروج من بيته حين يعلم أن جاره يهم بمغادرة بيته، وحين يتواجهان بالصدفة لا يتبادلان التحية، لو أصف العلاقة بين الجيران الآن لقلت بأنها تغلب عليها المشاكل والصراعات على أتفه الأسباب، وبدلا من أن تتسم العلاقة بالمودة والإخوة وحسن الجوار نجد أنه لا يهتم الجيران بعضهم ببعض، ذاكرةً أن خلل العلاقة بين الجيران توسع وانعكس على أفراد الأسرة داخل العائلة نفسها، إلى درجة أن هناك بعض الآباء صارت علاقتهم بأولادهم لا تتعدى حدود التمويل المادي فقط دون التراحم والسؤال عن الآخر. جيرة القرى فيما ترى نورة المشعل -موظفة وأم لأربعة أبناء- أن العلاقة بين الجيران تختلف على حسب البيئة المحيطة التي يعيش فيها الشخص، فنجد في القرى مازالت العلاقة بين الجيران تتمتع بحيويتها وحتى الآن، وتسرد لتجربة أهلها فهم متمسكون بالعادات والتقاليد التي يتمتع بها المجتمع السعودي ولا يزالون يتبادلون الوجبات فيما بينهم ومازالت الأبواب مفتوحة للزائر، ويسألون عن بعضهم البعض ويتبادلون الزيارات، أما في المدن الكبيرة فقد اختلف الأمر تماماً فنجد الجار لا يعرف حتى اسم جاره هذا، بعيداً عن تناول الوجبات ومناداة بعضهم البعض ونسوا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". زيارة الجار تعزز الروابط الاجتماعية بينهما العلاقات بين أبناء الجيران تغيرت كثيراً عن السابق