شركة آبل تعد حاليا أغلى شركة في العالم.. غير أن أغلى ما تملكه الشركة نفسها ليس مقرها ولا مصانعها ولا مراكز بحثها أو نقاط بيعها، بل شعارها الذي يأتي بشكل تفاحة مقضومة (قلت عنه في أحد مقالاتي أنها أحد ثلاث تفاحات غيرت العالم بجانب تفاحتي آدم ونيوتن).. وشعار التفاحة المقضومة ظهر أثناء تأسيس الشركة عام 1977 حين عرضه موظف يدعى روب جانوف على ستيف جوبز فنال رضاه. إلا أن معظم الموظفين ابدوا عدم استحسانهم لفكرة (ربط التفاح بأجهزة الكمبيوتر) فأمهلهم جوبز ثلاثة ايام لتقديم البديل. وحين لم يأت البديل تم اتخاذه شعارا نهائيا للشركة بعد اضافة الخطوط العرضية إليه كإشارة ساخرة (لقضم) خطوط شركة أي بي ام المنافسة!! والحقيقة هي أن الشركات الاكثر نجاحا هي أيضا الشركات الاكثر امتلاكاً لشعارات مميزة يعرفها معظم الناس.. لا ادعي أن الشعار وحده يكفل النجاح ولكن تميزه يكفل انتشار البضاعة في حال رضا الناس عنها.. وحين يشتهر الشعار يتحول هو ذاته إلى سلعة لها ثمنها المستقل (بحيث يمكن بيعه أو تأجيره أو مشاركته مع بقية المصنعين). واليوم يمكننا استنتاج نجاح الشركة أو السلعة من خلال قيمة شعارها في السوق.. فشعار شركة آبل مثلا يساوي 154 بليون دولار، يليه شعار جوجل 82 بليون دولار، ثم مايكروسوفت 72 بليون دولار، ثم كوكاكولا 58 بليون دولار، ثم تويوتا (الشركة غير الأميركية الوحيدة ضمن أول عشر ماركات) بقيمة 42 بليون دولار. والغريب أن اليابانيين رغم براعتهم في التسويق لم يأخذوا قضية الشعارات محمل الجد إلا في وقت متأخر نسبيا. فشركات مشهورة مثل تويوتا ومازدا ونيبون لم تتبن أي شعار مميز حتى الثمانينيات.. أما حول العالم فهناك شعارات أميركية قديمة وتكاد تكون معروفة لكل سكان الارض مثل ماكدونالد وبيبسي وكوكاكولا وسجائر مارلبورو.. وكل شعار من هؤلاء تتجاوز قيمته اليوم ميزانية معظم دول العالم الثالث في حين تتجاوز شعارات الشركات الأميركية ميزانية الدول العربية مجتمعة! وبطبيعة الحال لكل شعار قصة تبدأ بسيطة وساذجة وتنتهي بنجاح عظيم وخارق.. فشعار كوكاكولا مثلا يعد ابداعا في فن الكتابة اليدوية وتم تسجيله رسميا عام 1887. وقد كتبه فرانك روبنسون بهذه الطريقة البسيطة بعد ان اقنع صديقه الدكتور بيم برتون (مخترع مشروب الكوكاكولا) بأن اضافة كلمة "كوكا" قبل "كولا" يعطي الاسم رنة مميزة!! ... أيضا هناك شعار مرسيدس بنز الثلاثي الذي وضعه مؤسس الشركة جوتليب ديملر بنفسه (ويأتي اليوم في المركز العشرين) قبل خلوده للنوم في أحد الفنادق. وقد رسمه في البداية على كرت معايدة بعثه لزوجته وكتب تحته "انه الشعار الذي سيجلب الزبائن للشركة". وقد بلغ من الشهرة والاصالة حد الابقاء عليه خلال اضخم اندماجين في تاريخ الشركة؛ الاول حين اندمجت مع مرسيدس بنز عام 1924 والثاني حين اندمجت مع كرايزلر في منتصف التسعينيات!! .. على أي حال؛ من لم يدرك حتى الآن سبب تقييم الشعارات الناجحة بهذه المبالغ الطائلة سأضرب له مثلا بشركة ماكدونالد المعروفة للجميع.. فهذه الشركة لا تزرع البطاطس ولا تقطع الطماطم ولا تعجن الخبز ولا تزود آلاف المطاعم حول العالم باللحم المفروم.. هي فقط تمنح المطاعم المحلية حق استخدام شعارها (حرف M الكبير) مقابل نسبة معينة من الدخل. واليوم تأتي معظم أرباح الشركة (ليس من بيع الهامبرجر) بل من تأجير هذا الشعار الذي تقدر قيمته بأربعين بليون دولار ويأتي في المركز التاسع كأغلى شعار في العالم.