«ثلاث تفاحات غيّرت مصائر البشر: تفاحة آدم، وتفاحة نيوتن وتفاحة شركة «آبل». بهذه التفاحات، تبادل الجمهور الإلكتروني خبر وفاة ستيف جوبز، مؤسس شركة «آبل» والمبتكر الفذّ لأجهزة «آي تيونز» و»آي فون» و «آي باد». وجرى تداول هذه الجملة بكثافة على الإنترنت، خصوصاً مواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فايسبوك» و «تويتر» و «ماي سبايس» و «لينكد إن» وغيرها. يصعب قول الوداع، ليس لدواع إنسانية ومألوفة في حال وفاة عبقري مثل جوبز (24 شباط/ فبراير 1955- 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2011)، بل لأن «تفاحته» وأجهزتها وتطبيقاتها، أحدثت انعطافات حاسمة في ثورة المعلوماتية والاتصالات المعاصرة، كما رسمت عوالم الترفيه الرقمي بالموسيقى وأفلام الرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد، بل إن الأخيرة تكاد تكون فناً مستقلاًّ أبدعته التقنية الرقمية وشبكاتها. رثاه بيل غيتس، المؤسس الأسطوري لشركة «مايكروسوفت» العملاقة قائلاً: «يندر أن نرى شخصاً هزّ العالم كما فعل جوبز، الذي سيبقى تأثيره لأجيال لاحقة. أما أولئك الذين تشرفوا بالعمل معه، فقد حازوا شرفاً يفوق العقل والمنطق. سأفتقد ستيف بعمق». لقد عمل جوبز وغيتس معاً في «آي بي أم». ونمت بينهما صداقة عميقة، لكنها اهتزّت عندما خرج غيتس بنظام «ويندوز» ثم هيمن على نُظُم الكومبيوتر، مبتدئاً بما كانت تصنعه «آي بي أم». تحوّل الأمر بين الرجلين الى تنافس شرس، مع تأسيس جوبز لشركة «آبل» التي حملت شعار التفاحة، وحاولت منافسة «مايكروسوفت» ونظام «ويندوز»، بجهاز «ماكنتوش» ونظامه. وخسر جوبز أشواطاً كثيرة في تلك المعركة. لكنه صمد. ثم أخذ يقلب الميزان، بالتركيز على الترفيه الرقمي، بداية من تأسيسه شركة «بيكسار» التي أطلقت أفلام الكرتون المولّفة على الكومبيوتر، بداية من «حكاية لعبة» الذي نال أوسكاراً، وحاز جوبز بفضله تنويهاً خاصاً من هوليوود. وبعدها صنعت الشركة الأفلام الثلاثية الأبعاد التي انتقلت من عالم الرسوم المتحركة لتصل الى الأفلام الروائية مع فيلم «آفاتار». يمكن العودة بالذاكرة الى وقفة جوبز على منصة إعلانية لتقديم هاتف «آي فون». قيل حينها إن جوبز فعلها ثانية، إذ كرّر هذا الثعلب الماكر نجاحاً تذوّقه مع «آي بود». اللافت في النجاحين أنهما تحقّقا من دون اختراق تكنولوجي ضخم. لم يأت جوبز بجديد في الصناعة الإلكترونية، لكنه أجاد في نسج ضفائر العلاقة بين معطيات التقنية الإلكترونية من جهة، وصنع أدوات تخدم الحياة اليومية للناس، وتلبي حاجاتهم العملية إلى أشياء تُسهل عيشهم، من الناحية الأخرى. واستطراداً، يفترض أن تكون هذه الأدوات سهلة الاستعمال لا تثقل على الناس بأن تفرض عليهم اكتساب مهارات عالية قبل التمكّن من استخدامها بصورة يومية ومتكررة. بعدها، كرّر الثعلب جوبز، وقد بات كهلاً، ضرباته الناجحة. وهزّ عالمي الكومبيوتر والخليوي معاً بابتكار بُهرت الأعين بمجرد رؤيته: «آي باد». بدا «آي باد» أداة حربائية بامتياز. ليس حاسوباً ولا هاتفاً، بل إنه يقف في منزلة من المنزلتين! باختصار، صنع جوبز كومبيوتر، بأسلوب البناء من الأسفل إلى الأعلى. وطالما كرّر خبراء المعلوماتية أن الجمهور لا يستعمل إلا نسبة ضئيلة تماماً من إمكانات الحواسيب التي يشتريها. التقطت ذلك أذن جوبز المرهفة بيقظة ثعلب متوثّب للصيد. عمد إلى صنع أداة لا جديد فيها تقنياً، لكن طريقة انتقاء التقنيات وجدلها وربطها، جعلتها ابتكاراً فعلياً، كما ضمنت لها نجاحاً هائلاً. وخرج جوبز بفكرة «آب ستور»، التي تقول ببساطة، أن الإنسان حرّ في أن يختار ما يشاء من التطبيقات الرقمية (وهي أساساً برامج إلكترونية) ليضعها على حاسوبه بما يتلاءم مع حياته ومهنته وذوقه وثقافته وعلاقاته الاجتماعية وغيرها. يبقى القول إن نجاح شركة «بيكسار» في عالم الترفيه السينمائي، دفع شركة «ديزني» لشرائها، مع تعيين جوبز في هيئتها الإدارية التنفيذية، وهو آخر المناصب التي تقلّدها قبل أن يستقيل من «آبل»، بعد النجاح الهائل لجهاز «آي باد 2» وقبل أيام من إطلاق جهاز «آي فون 5».