بعد أكثر من 700 يوم من مغادرة الرئيس ميشيل عون، ينفض أخيراً القصر الجمهوري «قصر بعبدا» غبار الشغور الرئاسي ليدلف إليه قائد الجيش العماد جوزيف عون، أتى الانتخاب بعد عام كامل من امتناع رئيس المجلس عن عقد جلسات بذريعة غياب التوافق الوطني، وبعد تمسك سابق من حزب الله بمرشحه سليمان فرنجيه، وغياب بطبيعة الحال لتوافق مسيحي على مرشح أوحد. لبنان شهد في العام الماضي متغيرات عدة داخلية وإقليمية أثّرت عليه كثيراً ودمّرت العديد من مناطقه، وأصبح البلد منهكاً من الحرب الإسرائيلية ومحتاجاً أكثر من أي وقت مضى لالتقاط أنفاسه. كان لافتاً في لبنان بعد خسائر حزب الله وسقوط نظام الأسد حكمة زعمائه، من رئيس مجلس النواب نبيه بري، مروراً بسمير جعجع ووليد جنبلاط، الذي كان من أوائل زوار دمشق الجديدة وهو ما يدل على حكمته وحرصه على طائفته، وصولاً إلى فخامة الرئيس جوزيف عون، الذي ذكر في كلمته أمام النواب: «إذا انكسر منا واحد انكسرنا جميعاً». الشغور الرئاسي لأكثر من عامين كان عرضاً من أعراض الوباء اللبناني، والذي تمثل في غياب الدولة وغياب الإيمان بسلطة الدولة، وله صور عدة ليس أقلها غياب السيطرة على المعابر الحدودية مع سورية، وهو ما أسهم في توجه النازحين جنوباً، وتوجه البنزين والبضائع شمالاً، لا سيما بعد فرض عقوبات «قيصر» الأمريكية على نظام الأسد. وذروة سنام نخر الفساد في جسد الدولة كان إغلاق المصارف اللبنانية وتبخر ودائع المودعين، أن يحدث هذا في أي دولة يعد جريمة، أما أن يحدث في أول بلد عربي تفتح فيه المصارف منذ أكثر من 150 عاماً فيعد ذلك كارثة. اليوم تأتي كلمة الرئيس جوزيف عون كمكاشفة عن مواطن الخلل، ومسلطة الضوء على شكل الدولة المرتجاة، وأساسها بلا شك دولة القانون، والقانون لا يكون نافذاً إلا إذا طبق على الجميع، ولا إهانة للقضاء أكبر من ما حصل مع قضاة تفجير المرفأ الذي ذهب ضحيته الكثيرون بين قتلى وجرحى ودمرت مناطق عدة بسببه. حيث ذكر في كلمته: «إذا أردنا أن نبني وطناً فإنه علينا أن نكون جميعاً تحت سقف القانون والقضاء»، كما أشار في كلمته البليغة للاءات أربع: التدخل في القضاء ممنوع، ولا حصانات لمجرم أو فاسد، ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال. والأهم حتى تسير الدولة وتمارس أعمالها في تلبية حاجيات المواطنين وفتح الباب للسياحة والتجارة والزراعة، أن يتم تشكيل حكومة، يكون رئيس وزرائها لأول مرة منذ 2005، خياراته أوسع من أن يخنع أو يقتل، فزمن الخوف الذي لازم اللبنانيين منذ دخول النظام السوري في الثمانينات وحتى العام الماضي يجب أن يرحل بلا رجعه. قد لا يكون عاد لبنان.. ومن المبكر وضروب الرومانسية والحلم القول بذلك، لكن بلا شك عاد الأمل بلبنان.. عادت بشائر الدولة.. إنها كرائحة منقوشة زعتر لذيذة ننتظر نضوجها بلهفة.. رغم أننا نعرف أن القضمات الأولى حارقة. لبنان عاد يوماً من أتون الحرب بطائف سعودي.. واليوم يعود للفرح بدعم سعودي ودولي.. كل الرجاء أن ينهض لبنان وينتقل من بشائر الأمل إلى الثقة في دولته، وهي رحلة الانتقال من الأقول للأفعال.