التعبير الشعبي الوارد في العنوان، يطلق على الكسول الخامل الخامد، الذي لا يتحرك الا بصعوبة ويتوانى كثيراً في إنجاز الأمور والمهام حتى يفوت الاوان ويتصف بالثقل والبرود وعدم تقدير المسؤوليات والأمور.. و(الشنق) هو النصف والمراد به هنا نصف الجسم، فكأن هذا الكسول مشلول نصف جسمه، مضروب بالفالج الذي عطل حركته وشل قدرته -مع أنه سليم الجسم - والشلل هنا معنوي قد ضرب الكسول في همته وارادته وتفكيره وتقديره للناس والمسؤوليات، فهو مخلد الى الأرض، مفترش فراش الكسل الرخو، بارد العزيمة، معدوم الحزم، مهزوم الإرادة، مفقود الطموح، معتاد على الإهمال والتسويف والاستخفاف.. والتعبير بليغ جدا (ميت شنق) كناية معبرة عن شلل الهمة والإرادة، وثقل النفس والحركة، كأنه شجرة قد ضربت جذورها في اعماق الأرض او صخرة صعبة الحركة فهو ثقيل وبيل، لا يستحي من نفسه، ولا يساعد ربعه، في العمل المشترك الذي هو أيضا يستفيد منه واذا كلفه ابوه.. او رئيسه.. بعمل هام.. فإنه لا ينجزه في وقته أبداً.. وقد لا ينجزه أبداً.. لأن دور الكسل متوطن عقله، وداء الخمل يسري في جسده، وحب الراحة البغيضة والخلود للأرض والخمود كالأموات طبع فيه.. النوم راس اللوم بان الردى به عين تبا النوماس نومه شلافيح مثل هذا الكسول جداً، العازف عن إنجاز أصغر المهام، القابع في قفص الأنانية الأسود، يجنن زوجته، ويزعج أباه وأهله، ويهمل واجباته وعمله ويلتحف بالاستخفاف والهوان، والاستخفاف عدو النجاح والهوان قرين همود الهمة وانقطاع العزم وانعدام الحزم وحب الترف والراحة الدائمة حتى يصبح عالة على غيره، بغيضاً لمن يخالطه، كريهاً على من يسافر معه، وثقيلا على من يجالسه.. دع التكاسل في الخيرات تطلبها فليس يسعد الخيرات كسلان والعرب يحبون قوة الهمة، وسرعة الإنجاز وبراعة السعي والمبادرة ويعشقون العزم والحزن، والحرص على المشاركة والتعاون، وكل هذه الصفات - والحمد لله - مفقودة في (ميت الشنق) فهو يأخذ ولا يعطي، ويطلب ولا يريد ان يطلب منه احد فهو عجاز مكسال ثقيل وبيل خامل خامد، فيه من صفات الطفيليين واقوى مساوئ الانانيين.. اما التطفل فإن المتكاسل المتوكل على غيره في اموره طفيلي على الناس والحياة يأكل ولا ينتج يأخذ ولا يعطي فهو عبء ثقيل وهو معدوم المروءة والحياء كأن وجهه لا ماء فيه بل هو من صخر أو حديد، وفي (باب المتطفلين) في كتب التراث نجد هؤلاء لا يستحون أبداً بل يفخرون بالتطفل ويدعون أقرانهم الى رمي الحياء جانبا.. قال الشاعر (كما ورد في محاضرات الادباء 639/2 وهو متطفل يوصي أمثاله): لا تستحين من القريب ولا من الفط البعيد ودع الحياء فإنما وجه المطفل من حديد! وتقول العرب (زوج العجز التواني فنتج بينهما الحرمان..) وقريب منه قول الشاعر: كأن التواني أنكح العجز بنته وساق اليها حين أنكحها مهرا فراشا وطيبا ثم قال له: اتكئ فقصرا كما لا شك ان تلدا فقرا وسبب (موت الشنق) الكسل في النفس والرداءة في الطبع والبلادة في الحس وكل ذلك مذموم ويثير غيظ المخالطين.. شعار ميت الشنق (الكسل احلى من العسل) ولسان حال معاشريه يقول عنه (اثقل من جبل) فهو ثقيل في نفسه ويضغط على اعصاب الذين حوله.. والكسل من مفاتيح الفشل والفقر ويصيب صاحبه بالخمول في الهمة والرخاوة في الجسد والنفس وحب الجلوس حيث ينهض الكرام.. فهو عبد البدن عاشق الاتكاء (ما يحرك الرابضة) كما يقول المثل الشعبي.. وللعرب اقوال كثيرة في ذم الكسل والعجز قال الاضنف: اياك والكسل والفجر فإنك ان كسلت لم تؤد حقا وان ضجرت لم تصبر على حق).. ومن حكم العرب (ما لزم احد الدعة الا ذل) ويقول الصاحب بن عباد (ان الراحة حيث تعب الكرام اودع لكنها اوضع والقعود حيث قام الكرام اسهل لكنه اسفل). والواقع ان الكسول يصاب بالضجر والاكتئاب فالنفس ترتاح اذا كان الجسد ذا حركة ونشاط، وتأسن اذا همد كالثوب المهمل.. كما ان الضمير ينام قرير العين اذا قام الانسان بواجباته بكل اخلاص وتقان، ويقلق مع اهمال الواجبات. موروثنا الشعبي يمقت الكسل ولان الوجدان الشعبي مليء بالحكمة ومشرع على تجارب الحياة ورؤية ما تؤول الصفات باصحابها من خير او شر فان مأثورنا الشعبي يمقت الكسل والعجز والتسويف، ويحث على النشاط ويحب الإنجاز والاهتمام ويكره البلادة والرخاوة والخمول، ويحض على القيام باكرا وينتقد نوم الصباح لأنه من أدلة الكسل وعدم الاهتمام.. ويرى ان العاقل يعود نفسه على النشاط.. فان الانسان ابن عاداته.. يقول راشد الخلاوي: من عود العين الرقاد تعودت ومن عود العين المساري تعاود ويحض على اعتياد المصاعب لاحراز المكارم والصبر على الدهر اذا جار: فلي من قديم العمر نفس عزيره اعض على عصيانها بالنواجد قد اوزمتها ما كان خوف لما بقى علي من ايام الردى ان تعاود فيا طول ما وسدت راسي كداده من خوفتي يعتاد لين الوسايد فهو يتفق مع قول الفاروق رضي الله عنه (اخشو شنوا فإن النعم لا تدوم) ورأي ابن خلدون (الذين هلكوا في أول المجاعات اهلكهم الشبع السابق لا الجوع اللاحق).. لهذا فإن الكسول الذي لا يريد بذل الجهد ولا التعرض للمشاق، بل يفضل الراحة والظل والنعيم المؤقت، لن ينجح في حياته، بل سوف يكون مكروها ويزداد ضعفا مع الأيام ولن نطفر بطائل: ومن تابع المشراق والكن والذرا يموت ماحاشت يديه الفوايد كما يقول الخلاوي وسوف يندم بعد فوات الأوان، فإن الندامة تختفي في الكسل اختفاء السم في العسل. عبدالله الجعيثن الكسل صفة مذمومة وهو مفتاح للفشل والفقر