ها قد اكتملت عودة جحافل المصطافين، والتي أتاحت لهم إجازة صيف هذا العام الطويلة فرصة لا تعوّض لقضاء إجازة لا تنسى، ولكن بمَ سيعود هؤلاء؟ وهم من أتيحت له فرصة زيارة بلاد ومجتمعات مختلفة، منها ما هو قريب من ثقافتنا، ومنها ما لا يتقاطع معنا في أي شيء. الغالب الأعم –للأسف- لا يزال يبحث عن إجازة تقليدية مكررة، لا تتجاوز السكن في فندق فخم وتناول الوجبات في المطاعم الشهيرة أو السريعة، والتصوير أمام المعالم السياحية الشهيرة، ثم تمضية الوقت الباقي في التسكع والتسوق فقط، وتفويت فرصة الاستفادة الحقيقية من السفر، والأسوأ من ذلك عدم الاحتفاظ بذكريات مختلفة عن الآخرين. لكن تخطيط الاستفادة من الإجازة يبدأ مبكراً، وبالذات بتحديد الوجهة والهدف من زيارتها، فالزيارة الاسترخائية تختلف عن سياحة الجولات والاستكشاف وهلم جرا، ثم -وهذا هو بيت القصيد-: القراءة وجمع المعلومات؛ فكلما تعمّقت بمعلومات وجهتك كلما انخفضت التكلفة وارتفع مستوى جودة الرحلة، خصوصاً وأن كثيراً من المعلومات المتداولة السريعة إما أن تكون سطحية أو ذات هدف تسويقي، وتحتاج بعضاً من الوقت لفرز المعلومات وتحديد ما يهمك ويوافق رغباتك، فضلاً عن أن قراءة تاريخ الوجهة سوف يساعدك على إدراكٍ أعمق لما أنت مقبل عليه من تعامل مع فئات السكان المحليين وأنظمة البلد، ولعل الموسوعة العالمية "ويكيبيديا" أضحت مصدراً سريعاً وخفيفاً لمثل هذه المعلومات، بالطبع لابد أن تقضي وقتاً لا بأس به لتحديد نوع وموقع السكن المناسب، وليس فقط اختياره بناءً على الأشهر والأغلى، لأن السكن وبجانب أن يكون مقبولاً من الضروري أن يكون قريباً من وسائل المواصلات العامة، فأنت لا تريد إضاعة ساعات إجازتك القصيرة بالبحث عن وسيلة نقل حتى تصل إلى وجهتك. لا تغفل محاولة السكن –ولو مرة واحدة- عبر مواقع المشاركة الاجتماعية، التي تتيح لك استئجار مكان السكن من أحد السكان المحليين مباشرةً، كما هو الحال في موقع "أير بي إن بي" وبالتالي الفوز بصحبة رفيق سياحي من أبناء البلد، يستطيع اختصار الكثير في رحلتك وإيصالك إلى ما لا تستطيع الوصول إليه وحدك. أو التشجّع بمغامرة السكن المجاني عبر "كوتشسيرفينق" لكن شرط أن تستقبل ضيفاً في منزلك كذلك. البحث والتخطيط المبكر يفتح لك خياراتِ أوسع، وبالذات خارج العواصم والمدن السياحية، تلكم الخيارات التي قد تكون أعلى جودة وأقل سعراً فقط لأنها غير معروفة، وهو ما يمكن معرفته بمجرد الاطلاق على مواقع تخطيط الرحلات، مثل "تريب أدفايزر" وغيرها، ناهيك عن فرصة التواصل والحياة المباشرة مع السكان المحليين، فتستطيع تذوّق الأطباق التقليدية من مصدرها وليس من مطاعم سياحية، وتتعرف عن قرب على العادات والتقاليد دون حواجز التسليع التجاري، فضلاً عن فرصة التبضع بالأسعار المحلية وليس أسعار المناطق السياحية. السياحة فرصة لا تعوض لاكتشاف ما لا نعرف ولتجربة شيء جديد، فلا تحرم نفسك متعة التجربة، ولا تخسر فرصة الذكريات، وتعُود بخُفي حنين، فقط لأنك لا تريد أن تبذل جهداً للفوز بالشيء الوحيد الذي يبقى من رحلتك بعد عودتك.