الجيش الذي أعلنت إيران عن تكوينه للدفاع عن (الشيعة في العالم) يسيء لسمعتها السياسية ويظلم معه أبناء الطائفة الشيعة.. فإيران من جهة عبرت عن نواياها الحقيقية وأكدت شكوك ومخاوف العالم حولها ناهيك عن الدول المجاورة لها.. وهي من جهة أخرى كسرت بشكل غير مسبوق كل المواثيق الأخلاقية والإنسانية بمجرد إعلانها عن تشكل جيش ديني يدرك الجميع أن حربته ستوجه أولاً لأبناء الطوائف الأخرى.. تخيل حجم القلق الذي سيعتري العالم لو أعلنت الهند مثلاً عن تأسيس جيش هندوسي للدفاع عن الهندوس في الدول الأخرى.. تخيل حجم القلق الذي سينتاب العالم لو أعلنت الصين أو حتى تايلند ونيبال عن تأسيس جيش يدافع عن حقوق البوذيين في قارات العالم المختلفة.. بدون شك؛ الإعلان عن إنشاء مثل هذا الجيش الطائفي (تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني) تصرف بغيض وخطوة حمقاء لم تتجرأ على فعلها ألمانيا زمن هتلر أو روسيا زمن ستالين أو حتى إسرائيل هذه الأيام.. فهتلر مثلا لم يعلن عن تأسيس جيش للدفاع عن العرق الآري، وستالين لم ينشئ قوات تدافع عن حقوق الملحدين في العالم، وإسرائيل لم تفكر بإنشاء جيش يحمي الأقليات اليهودية في الدول العربية أو الإسلامية.. الإعلان عن إنشاء "جيش التحرير الشيعي" (الذي جاء على لسان القيادي في الحرس الثوري الجنرال محمد علي فلكي) يؤكد ضرورة التفريق بين الصفويين الإيرانيين من جهة وأتباع المذهب الشيعي الذين يتوزعون على مختلف الأعراق والدول من جهة أخرى.. يؤكد رغبه إيران في التوسع بطريقة سرطانية في الدول العربية تحت غطاء مذهبي يمنح سياستها القومية شرعية دينية (وأخص الدول العربية بالذات لأنها لن تواجه بالتأكيد إسرائيل وأمريكا من أجل الشيعة العرب).. أفضل سلاح لمقاومة جيش كهذا هو فهم الخلفية والدوافع التي تقف خلف السياسة الإيرانية في المنطقة.. يجب أن يفهم الجميع وجود فرق بين التشيع كمذهب (بدأ مع الصحابة الكرام الذين اختاروا نصرة الإمام علي رضوان الله عليه) وبين استغلال الدولة الصفوية قديما (وإيران حديثاً) للمذهب الشيعي لخدمة سياساتها القومية والتوسعية.. لا يجب أن ينساق العقلاء والدعاة والمشائخ من الطرفين خلف من يحاول إضفاء صبغة دينية على الصراعات العرقية أو السياسية.. لا يجب أن تتحول الأحداث التاريخية (التي بدأت قبل 1400 عام) إلى فتن مذهبية وصراعات طائفية يكتوي بنارها الجيل الحالي!! يجب أن نتذكر دائما أن الخلافات التي وقعت بعد معركتي صفين والجمل كانت بين عرب أقحاح (انقسموا بين شيعة وسنة) في حين لم يدخل "الفرس" ساحة الخلاف إلا قبل 500 عام فقط حين تحولت إيران من المذهب السني إلى المذهب الشيعي.. ففي تلك الفترة برزت الدولة الصفوية (التي ظهرت أولاً في أذربيجان) وتوسعت في إيران واستغلت اضطهاد العثمانيين للشيعة العرب لترسيخ مذهبها وتوسيع نفوذها جنوباً وغرباً. ولتحويل الإيرانيين قسرا من المذهب السني إلى المذهب الشيعي جلب الصفويون علماء شيعة عرباً من العراق ولبنان والبحرين وأغدقوا عليهم في المقابل بالمال والعطايا والمناصب الدينية! ... ومن هذا كله نفهم أن سياسة إيران الحالية ترتكز في أصلها الداخلي (على القومية الفارسية) ولكنها تتحرك في دول المنطقة من خلال تأجيج الصراعات الطائفية.. أقول هذا رغم إدراكي أن بين غلاة الشيعة من يبارك خطوة إيران بإنشاء جيش التحرير الطائفي، وأن بين غلاة السنة من يرفض دعوتي للتفريق بين الصفويين الفرس والشيعة العرب.. غير ان الأمل يظل في الأغلبية العاقلة من الطرفين التي تدرك أن تأجيج أي صراع مذهبي في المنطقة سيخدم تلقائياً سياسة إيران الصفوية وتوسعها حولنا بحجة "حماية الشيعة العرب"..