قبل أن نتحدث عن المد الصفوي لا بد من الإشارة المقتضبة إلى أن المد الصفوي هو صفة لأجندة سياسية إيرانية، تلبس لباس الدين والطائفة والمذهب. وهذا الصنيع أخطر صنيعًا في العرف السياسي. ذلك أن العمل السياسي الذي يتوشح بالمذهبية قد يرتد على صاحبه ومنشئه. والمعروف أن لإيران في ماضي تاريخها وحاضره أطماعًا في منطقة الخليج العربي، وبعد تسلم الخمينيين السلطة في إيران خلط أربابها المذهب الديني بالشوفونية الفارسية، وهذا الصنيع مرة أخرى خطر على إيران نفسها قبل أن يكون خطرًا على جيرانها. والتاريخ يقول ان الصفوية هي خليط بين المذهب الشيعي والقومية الفارسية. وانظر ما حدث للصفويين. لقد ارتكسوا في الحضيض وسقطت دولتهم. ويشهد التاريخ المعاصر ما اجتمعت الايديولوجيا مع القومية إلاّ أنتج نظامًا فاشستيًا خطيرًا، يبث الفوضى، وينشر الحروب والفتن والاستعلاء ويحتقر الآخرين كما حدث للنازية في أوروبا من قبل. ويحدث للسياسة الإيرانية الصفوية المعاصرة. لقد حكم الصفويون إيران بين 1501 - 1722م وكان آخر ملوكهم: الشاه حسين الصفوي الذي قد تم خلعه في1722م على يد الإيرانيين أنفسهم، ومن ثم أُعدم. ونسى الإيرانيون وغيرهم من الشعوب مسألة الصفويين. ولكن الفرس في أيامنا هذه يشهدون تبني فكرة الصفويين من قبل الحكومة الإيرانية. ودرس التاريخ يقول ان مصير الحكومة الإيرانية لن يختلف عن مصير الشاه حسين الصفوي. واليوم نرى ارتفاع أصوات بعض الرموز الشيعية في العراق ولبنان مستندين إلى دعم طائفي من حكومة إيران، ورافعين شعارات مذهبية بغيضة، تهدد الأمن العام، وتهدد الوحدة الوطنية مثل: المطالبة بحقوق الأقلية الشيعية في حكم البلاد واللعب بورقة الطائفية على طاولة السياسة الإقليمية. ومن قبل حاول بعض الشيعة المحسوبين على الحكومة الإيرانية استغلال مواسم الحج والعمرة، هي مواسم تجمع المسلمين من أغلب دول العالم، لنشر التشيع الصفوي، حسب ما تحدث به كبار علماء المسلمين ومراقبون محايدون، مستندين بقولهم هذا إلى الوصايا التي قدمها المرجع الشيعي الكبير الميرزا جواد التبريزي لأتباعه: (بأن الحج هو أفضل الأوقات للتبليغ بالمذهب الشيعي وليعمل كل شخص بما يستطيع من أجل نشر مذهب أهل البيت، وعلى كل شيعي أن يراقب تصرفاته وأخلاقه عند تعامله معهم، ولتكن قراءة الدعاء والزيارة بالشكل الذي يجذب قلوبهم). وعندما شعرت إيران بإفلاسها عالميًا من التبشير الشيعي عزموا على إطلاق أعمال الشغب في أكثر بقع المعمورة آمنًا وأمان وخرجوا بتظاهرات سجلها التاريخ بصحائف المد الشعوبي لتكن شاهدًا عليه ليدينه بما فعل، حيث خرج حشد من الشيعة الإيرانيين في احد مواسم الحج ينادون بمبايعة خميني وليًا لأمر المسلمين. إن المد الصفوي في دول الخليج لا يحتاج إلى برهان. وهو مد محكوم عليه بالفشل، وسيرتد أثره السلبي على إيران نفسها. لقد حاولت إيران أن تتحدث باسم الشيعة من أهل الخليج. والشيعة لا تمثلهم إيران. والتشيّع عربي لا فارسيًا، وعلماء الشيعة الأوائل من العرب لا من الفرس. وأغلب الشيعة يدركون الخطط الصفوية التي تسعى لضرب الوحدة الوطنية. ولو كانت إيران صادقة في حماية الشيعة، لم لا تعطي شيعة الأحوازيين حقوقهم، ولماذا تستعمل ضدهم ما يشبه الإبادة. إن سياسة القمع التي يواجهها العرب الأحوازيين تدل دلالة واضحة أن إيران يهمها إلغاء الهوية العربية في الأحواز، ولا يهمها المذهب. وهي تتخذ المذهب ذريعة لأجندة فارسية معروفة. وهنا ندعو كل الشرفاء في العالم العربي والإسلامي إلى مواجهة المد الصفوي في الخليج، والحيلولة دون حصوله على أهدافه الشريرة. ومما يجب علينا فضح هذه المخططات الصفوية، والتأكيد على أنها فكرة مناهضة للعروبة والإسلام كما يجب نشر ما سجله التاريخ من مراسلات سياسية بين الصوفيين وعتاة النصارى مثل: ملك البرتغال مانويل الكاثوليكي والذي دعاه إسماعيل الصفوي لضرب مكة. ونحن لا نشك أن الأحزاب الشيعية المتطرفة في الخليج أحزاب صفوية. وفي البحرين تقف إيران خلف جماعة صفوية حركت الأحداث، وطالبت بقلب نظام الحكم الشرعي وتأسيس جمهورية إسلامية في البحرين تكون مقدمة ضرورية لضم البحر إلى إيران. ومثل هذا يُقال عن حزب صفوي في الكويت يمهد الساحة الكويتية لمؤامرة جديدة كما حصل في البحرين. أما في جنوب لبنان فقد خُدع الشيعة من قبل حكومة إيران. ويكاد حزب الله أن يفتت الوحدة الوطنية إذا ما تداعى حكماء لبنان إلى الوقوف بقوة في وجه الاختراق الإيراني لأمن لبنان. أما في العراق فقد وصل الإيرانيون إلى مكانة تتيح لهم التحكم في مصير هذا البلد العربي. وهم لا يهمهم العراق، حتى لو أدت سياستهم الطائفية الخرقاء إلى تمزيق البلد إلى دويلات. ويحرم المرجع الإيراني المقيم في النجف التظاهرات العراقية ضد حكومة المالكي الذي نصبته إيران رغمًا عن رغبة المقترعين. بينما من جهة أخرى يفتي بجواز بل بضرورة التظاهر في البحرين. فتأمل يا رعاك الله أين المذهب، بل أين الصدق والعدل. الصدق أن الفرق بين الحالتين في نظر الحوزة في النجف هو رغبتها في سيطرة إيران على البحرين كما سيطرت على العراق. وتحاول الصفوية الحديثة مد نفوذها في كل مكان ففي اليمن شبت نيران الطائفية، واتخذت من الحوثيين حصان طروادة. ولكن انتبه لها العقلاء من أهل اليمن، ونحن نشهد بداية فك ارتباط الحوثيين مع الصفويين. أما في مصر والسودان والمغرب فقد لقي التمدد الصفوي مواجهة حاسمة من قبل الحكومات والشعب العربي في هذه البلاد، وما تمكن من اختراق الأمن القومي لها. لهذا كله يتبيّن لنا خطورة المد الصفوي في البلاد العربية، وفي دول الخليج العربي. ولهذا أيضا يستوجب علينا الحذر الصادق، والعمل الجاد، والتعاون مع أشراف الناس في كل مكان للحيلولة دون تغلغل الصفويين في بلادنا. • أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود