الحيز البسيط الذي يهبه تويتر للمشاركين به أوجد نوعاً غريباً من السرد وهو القصة التويترية كما أطلق عليها أحد النقاد، هذا جعل الجميع يندفع لكتابة القصة القصيرة جداً، أو كما يعتقدون، بدون وعي لشروطها، المهم أن يصل النص لأكبر عدد من القراء، وهذا جعل أغلب كتاب وكاتبات القصة القصيرة يتجهون لهذا الفن غير المتعب الذي بالإمكان أن يكتب في أي مكان أو زمان، وأكثر من أعجبته هذه الموجه من الكتابة لا يعرف أن بعض المقاطع التي تنشر قد تكون نواة لنص قصصي جميل، أو بداية لرواية. أنا لست ضد القصة القصيرة جداً، بل إنني من أوائل من كتبها في المملكة، ومجموعة "فراغات" القصصية شاهدة على ذلك، ولكن أنا يمتعني النص القصصي الطبيعي، الذي يعتمد على الحبكة والشخصيات والحدث، والذي يتضح فيه بعض ملامح الزمان والمكان، ربما الاتجاه إلى كتابة النص القصير جداً هو كما أسلفت الوصول إلى أكبر شريحة للقراء، من خلال نشره عبر تويتر أو توزيعه في مجموعات الواتسآب، أو بحث عن مساحة بسيطة في إحدى الصفحات الثقافية أو المجلات الأدبية، وهذا يعيدنا لحديث الأسبوع الماضي حول حضور السرد؛ حيث أشرت من أهم ما يفتقده السرد هو المجلات المتخصصة، وقد طرحت كمثال دورية "الراوي" التي يصدرها نادي جدة الثقافي. الحركة السردية في المملكة العربية السعودية محتاجة على الأقل لمجلة شهرية تواكب تلك الحركة الجيدة في كتابة السرد بأنواعه القصة والرواية والمسرح، منذ سنوات كان هنالك ناد للقصة في المملكة، هذا النادي من أقدم الأندية في الوطن العربي، أشرف عليه الصديق خالد اليوسف سنوات طويلة، ومن بعده الصديق عبدالحفيظ الشمري، وفي سنواته الأولى أطلق مسابقة في كتابة القصة، وشارك فيها مجموعة من أبرز الكتاب والكاتبات؛ حيث كانت بداياتهم في القصة من خلال هذه المسابقة، قصص أولئك الكتاب والكاتبات -حسب علمي- نشرت في مجموعة بعنوان "أذرع الواحات المشمسة"، هذا الإصدار تحول إلى دورية بعنوان "الواحات المشمسة" كتب فيها عدد كبير من المبدعين والنقاد من السعودية والوطن العربي، وكان للنادي مجموعة من الإصدارات القصصية المتميزة، الغريب أن القصة القصيرة جداً حضورها باهت في النادي؛ لأنها لم تصبح ظاهرة يتجه إليها كل من هب ودب، وهذا جعل المتمرسين في كتابة السرد -وتحديداً القصة القصيرة- محدودين ومعروفين، والأجمل أنه وبجهد الصديق خالد اليوسف هنالك ملف لكل كاتب قصة يرصد به كل ما نشر له أو عنه، وكان الراصد المتمرس والذي واصل المتابعة بدون النادي هو أيضاً الصديق خالد، فجأة اختفى النادي بعد انتقال الثقافة من رعاية الشباب إلى الإعلام، وقيام وزارة الثقافة والإعلام، ومع تغيير رؤساء مجلس إدارة الجمعية. اختفاء النادي أمر محير، وخسارة مطبوعة تخدم السرد مثل "الواحات المشمسة" أمر مزعج أيضاً، ربما كل من ينتمي لعالم السرد يشعر بألم فوضى النشر التي أصابة هذا العالم الجميل، حيث اختفى النص الجميل بين ركام هائل من النصوص المتواضعة أو التي تمثل محاولات أولى، أكرر أن كلامي هذا لا يعد موقفاً من القصة "التويترية" أو المقاطع القصيرة جداً التي يتم تناقلها عبر مجموعات الواتسآب، بل من قبيل الحرص على أن يكون للسرد القصصي عالمه الخاص، بعيداً عن الخواطر والمقولات المجزوءة.