بعض إجابات القاص خالد اليوسف في هذا الحوار جاءت لتعزز ما طرحناه قبل مدة من تورط المبدع فيما يطرح عليه من أسئلة، على الرغم من أن بعض الأسئلة جاءت عادية جداً ولا تحمل أي استفزاز لتجعله يدافع عن بعض نصوصه خاصة ما جاء في نصوص الأصدقاء المجموعة الجديدة.. وفيما يتعلق بنادي القصة، فينبغي التنويه إلى أنه تربع على عرشه لسنوات طويلة يشهد له كل كتاب القصة في المملكة وربما خارجها بأنه أدى دوره بمهنية وأخلاق عالية. ومما لا شك فيه أن اليوسف بريء من تأكيد أو نفي بعض المعلومات التي تسربت قبل مدة ومفادها أن هناك خلافات بين عدة أطراف أدت إلى أن يترك هذا المقعد على الرغم من تألقه واستمراره في العطاء، وما أدل على ذلك من انضمامه للجنة دورية الراوي. وبعد انفصاله عن النادي ظل صامتاً طوال هذه الفترة ولم يستجب لإغراءات الصحافة ولا أحاديث الأندية، ولا المحاضرات التي يلقيها بين فترة وأخرى، لأن أول سؤال يوجه له بعد المحاضرة أو اختتام الأمسية هو (لماذا تركت نادي القصة) حدث ذلك معه مؤخراً في نادي أبها الأدبي، ويظل اليوسف يراوغ ويراوغ، إلا أن الآهة التي أطلقها من خلال هذا الحوار يتضح فيها معاناته تجاه ذلك الوليد الذي رعاه طوال قرابة الخمسة عشر عاماً. وما قام بكل ذلك إلا لكي يظل نادي القصة بعيداً عن الشبهات، لأنه وكما أثبت الواقع لا يهمه شخص "خالد اليوسف" بقدر ما تهمه "شخصية" نادي القصة، فكم يكون رائعاً الحديث مع رجل مثل هذا.. مصلحتي ومصلحة النادي @ أما آن الأوان لك أن تتحدث عن أسباب ابتعادك عن نادي القصة؟ نادي القصة السعودي عزيز على قلبي بشكل كبير جداً، قد لا يتصور إنسان ما قدر وحجم هذه المكانة، ولكن قدر الله أن نفترق بعد رحلة استمرت خمس عشرة سنة، لذلك من الطبيعي أن أصاب بالصمت والصيام وقد يستمر هذا الحال لفترة أطول لأن الحديث فيما مضى لا يسمن ولا يغني من جوع، خاصة أن الكلام يخص هذا العزيز الذي أرغب بقاء صورته الجميلة في ذاكرتي، ومن المحزن أن آمالي وطموحاتي حوله نسفت وأجهضت بصورة لا يتوقعها عاقل، وهي كبيرة جداً وسهل تنفيذها لكن لكل واحد منا مقدرة على تحمل الصعاب إلى أن تنفد هذه المقدرة ونتخلى عن أدواتها، حينئذ لا بد من الوقوف بواقعية لاتخاذ قرار نهائي وهذا ما تم حيال نادي القصة السعودي وخالد اليوسف، فجاءت مرحلة التخلي عن النادي من أجل أشياء كثيرة لمصلحتي ومصلحة النادي!! ولعل أهم تلك الأشياء أنه أصبح متكامل الخدمات والعطاءات بل حتى في مبنى مستقل داخل إطار الجمعية، وكنت ومازلت متيقناً أن ما قمت به من أجل النادي سيقوم به كل إنسان مخلص وصادق من أجل الوطن وثقافته. في النهاية أصل إلى شيء مهم هو أن القيام على إنشاء ورعاية وتحمل كيان ثقافي له صلة بالجمهور النخبوي يعتبر رسالة ومسئولية لا يتحملها إلا القليل وبفضل الله استطعت اجتيازها، وليس كل ما نتمناه أو نطمح إليه نستطيع تنفيذه يكفي أن ينفذ جزء منه وهذا ما كان معي ونادي القصة. طموحات الشمري @ هل تشعر بالاطمئنان لوجود عبدالحفيظ الشمري على رأس النادي حالياً؟ الصديق عبدالحفيظ الشمري من الذين أتوقع لهم قدرة متميزة إذا أعطي الفرصة، ولديه برامج وطموحات تخدم السرد ومن ينتسب إليه، وهو مكسب للجمعية ولا بد من الاستفادة من إمكانياته ودراساته المستقبلية للنادي وللجمعية عموماً. العلاقات الإنسانية @ أين تلك العلاقات التي أقمتها في شرق البلاد وغربها خلال فترة النادي هل مازلت متواصلاً معها؟ العلاقة الإنسانية مهمة جداً في هذا الزمان، خاصة بعد تباعد المسافات واختصارها؟؟ والتنافر والتقارب؟؟ والأريحية والحميمية والعدائية والغيرية؟؟ تصور كل هذه الصفات يتسم بها إنسان هذا العصر لصعوبة وتعقيد الحيادة، إذاً العلاقة الصادقة مهمة للغاية، ومن هذا المنطلق مازلت متواصلاً مع كل الذين أحبهم ويحبوني، وبخاصة الذين ارتبطوا معي قبل النادي وبعده، أي ليست علاقة مصلحة وهم كثر، والخدمات التي كنت أقوم بها من قبل مازالت قائمة لهم ولغيرهم. إيصال صوتنا للخارج @ هل مازلت ترسل ملفات القصة للمبدعين والمبدعات لخارج المملكة لنشرها في الدوريات والتي عادة ما كانت تطلب منك من قبل الجهات المختلفة؟ طبعاً يختلف الوضع الراهن عن موقعي السابق، مع أني مازلت ضمن تحرير التوباد الثقافية، ثم انضممت إلى أسرة تحرير الراوي، وكان حلمي هو بقاء الواحات المشمسة على قيد الحياة لكي تساهم في خدمة السرد وقضاياه.. ولكن هي من الأحلام التي انتهت، على كل حال الملفات التي ساهمت بها هي من الأعمال الهامة في إيصال صوتنا القصصي إلى كافة المنابر، وكنت حريصاً على إتمامها وتواصلها، وإذا طلبت للقيام بهذه العملية لن أمانع أبداً. الببلوجرافيا @ الببلوجرافيا ماذا أضافت لك؟ وهل ثمة أحد استفاد منها؟ ولماذا لا نجدها في المكتبات؟ أوه.. هذا الموضوع واسع جداً، ولكي أجيب عن سؤال كهذا قد تستغرق الإجابة ورقة عمل فضفاضة.. أي متفرعة الجوانب.. والشرح فيها لا حد له. فقبل خمسة وعشرين عاماً بدأت الدخول إلى هذا العلم من خلال شيخي العالم يحيى محمود ساعاتي وهو من رواد ا لببلوجرافيا العربية المعاصرة، حيث شجعني على الدخول فيها وممارستها، ونشر لي في مجلة عالم الكتب عددا منها، ثم جاء كشاف المجلة العربية ولقيت التشجيع من الشيخ الراحل حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير المعارف ثم التعليم العالي وحمد القاضي غيرهم كثير، وقد تجاوزت حتى الآن خمسين عملاً وآخرها كتاب (السرد في اليمن). أما الفائدة منها فأجزم أنه لا حصر لها ويكفي أنها مفتاح العلوم والبحوث والدراسات والتراجم والسير والتاريخ.. ولك أن تسأل أي باحث عنها وعن أهميتها لعمله، أما عن عدم تواجدها في المكتبات فهذا عائد بالدرجة الأولى إلى الخطأ الكبير في حياتنا العلمية وهو عدم توفر أدوات البحث والمراجع في المكتبات ومراكز المعلومات وتراجع الوعي الدراسي لمثل هذه الإرادة. @ زميلك في المهنة عبدالعزيز الصقعبي استفاد من علم المكتبات من خلال الصحافة؟ أين خالد اليوسف في هذا المجال؟ مع احترامي وتقديري لكل ما يقوم به الصديق الصقعبي من جهود ثقافية وتحريرية من خلال موقعه الصحفي ويشكر عليه كثيراً، إلا أني أحب أن أؤكد أن الصحافة بكل أنواعها هي التي استفادت مني؟؟ وسأوضح هذا بكل اعتزاز؛ لقد أدخلت علم الببلوجرافيا في الصحافة الأدبية المحلية منذ عام 1405ه تحت مسمى الأدب المحلي في أسبوع حيث كنت أقوم بتكشيف الصحافة المحلية والخليجية أسبوعياً ونشرت هذه الكشافات في صحيفة المسائية، ومن ثم عكاظ، ومن ثم الجزيرة بخلاف تحليل الكتب واستخلاصها في صحيفة الجزيرة وبعد ازدياد الإنتاج تحولت إلى الرصد السنوي وهو مستمر إلى الآن في صحيفة الجزيرة، في المجلات الأسبوعية نشرت لي مثلاً مجلة اليمامة ببلوجرافيا عن الرواية السعودية، في المجلات الشهرية نشر لي عدد من الببلوجرافيات في مجلة الحرس الوطني وفي غيرها كثير، كذلك المجلات الفصلية والمتخصصة، وليس فقط في مجال الببلوجرافيا بل حتى التحليل الببلومتري والبحثي وهو من اختصاص العلم نفسه، إذاً أنا في وسط الصحافة بل ولي تواجد حيوي ولست بعيداً عنها. لا إزعاج مطلقاً @ الباحثون والباحثات عن المعلومات في القصة والرواية أما زالوا يزعجونك أو يداهمونك ويقلقون راحتك كما كانوا يفعلون في السابق؟ معترضاً - لا يا أخي لا أعتبر خدمتهم إزعاجاً، بل أكون سعيداً بذلك لأني أعرف معاناة الباحث في كيفية الوصول إلى المعلومة أو المادة التي تعينه على بحثه، خاصة الأبحاث الأكاديمية وهو يتحمل مشقات لا يعلمها إلا الله، بعضهم يأتي من مناطق بعيدة جداً من أجل كتاب واحد، لذا تراني أبتهج إذا وجد في مساعدتي له انفراجاً لبحثه، بل أضطر لتصوير الكثير من الأوراق والصفحات والكتب من أجل هذا الباحث، لكي أسمع في النهاية كلمة (شكراً) فقط، والبعض (بارك الله فيك) والأخير يتحمل التكاليف، وما يقلقني هو الطلب بسرعة، أو في وقت ضيق أو حينما تكون ظروفي غير مهيأة له، خاصة أن الكثير من مكتبتي بدأ يتلف لكثرة التصوير. مجموعاتي لها سمات مختلفة @ طبعت 4 مجموعات والخامسة بين أيدينا ولكنها شبه مكررة ألا يثقل ذلك على القارئ؟ من المحزن أن ينسف جهد سنوات وقدرات وطاقات بجرة قلم.. هكذا ولكنها شبه مكررة. أحمد الله أن الناقد الحقيقي وهو القارئ الحصيف البصير قد أنصفني، ويجد أن كل مجموعة من مجاميعي تتميز بسمات تختلف، وفي الآخر تتفق على أن قصص خالد اليوسف لها ملمحها الخاص بها، بل كل مجموعة لها تجربة مختلفة تماماً. إن القارئ هو هدفي والذي يهمني في الدرجة الأولى، لذا أنا لا أهتم بالكم على حساب الكيف، ودليل ذلك أني أكتب القصة القصيرة منذ عام 1979م ولم أصدر إلا خمس مجموعات قصصية فقط!! @ في مجموعة الإصدقاء هل هي رسالة غزل لأصدقاء ذكرت بعضهم أم أنك استخدمتهم كغطاء لرسائل أخرى؟ يبدو أن ما كنت أتوقعه سوف يحصل وهذه بدايات الوقوع للتصادم مع العنوان المباشر التقليدي: الأصدقاء.. فليس معنى أن يكون هذاالعنوان بهذا الوضوح وهذه الشمولية أن يتم الإسقاط والتفسير على المؤلف، خاصة من قارئ وكاتب للقصة القصيرة مثلك. أنا لم أتغزل أو أراسل أحدا ما، هي قصص جاءت معبرة عن مرحلتها وذاتها، ولكل متلق القدرة والحرية على تأويلها. في مجموعة الأصدقاء رسائلك مباشرة جداً بل وفاقعة.. أتقريرية بعد رمزية وشعرية (خاصة في مجموعتك الأخيرة امرأة لا تنام)؟ وهنا أتعجب أكثر حيث وسمت مجموعتي القصصية بالرسائل المباشرة والتقريرية... أنا كاتب قصة قصيرة ولست كاتب عرائض أو مراسلاً مباشراً لتقارير الأيام والحياة!! عندما تجد شخصيات وأحداث قصصي هي من لب الواقع فليس معنى هذا أنها نصوص مباشرة!! هذه المجموعة تأتيك من معترك الحياة.. من صراعات القيم والأخلاق.. من هموم النفس البشرية.. من هجوم المدينة وتغيراتها السريعة جداً!! لن أشرح نصوصاً قصصية لها مذاق مختلف، وكانت لي معها معاناة لا تنتهي، والأفضل تركها للقارئ وليكتشف ما يشاء منها وفيها ما يتفق مع ذائقته الأدبية، وليس فقط الأحكام العاجلة أو الجاهزة وهذه أرفضها قطعياً. أما مجموعة امرأة لا تنام فمن المؤكد أنها تختلف ولها ظروفها ولها سمات وملامح تختلف عن سابقتها، ومن ثم تختلف عما تلاها وهي مجموعة الأصدقاء. @ هل تعتبر مجموعتك ما قبل الأخيرة (امرأة لا تنام) انطلاقة لك أم أنها مجرد مجموعة؟ لا ليست مجموعة قصصية عادية بالنسبة لي.. بل هي تؤكد مساري وتميز فكري وصدق طرحي ووضوح شخصيتي نقاء قلمي ولغتي.. هي مجموعة تؤكد أشياء كثيرة ليس فقط لدي بصفتي كاتبها بل للكاتب القصصي عامة، ومن المفترض أن يكون هذا الحديث من النقاد الذين يملكون القدرة على النفاذ لرؤية ما بين السطور وما خلف الكلمات. @ يقال إن الكاتب يبدأ بالقصة وينطلق للرواية متى ستنطلق أم أنك ستبقى وفياً لذلك الفن الذي وهبت عمرك لأجله؟ في عام 1987م بدأت بكتابة رواية كنت آمل الانتهاء منها في حينه، ولم أكتشف ذاتي الكسولة إلا بعد مضي سنوات وقد توزعت الرواية على نصوص قصصية أخرى، مما أكد لي أن كتابة الرواية تتطلب وقتاً متواصلاً مشتبكاً مهيئاً ومتفرغاً لا تقاطعات فيه أو فواصل تشتت العمل، ومضت السنوات وأنا أنتظر كتابة رواية أخرى فهل يتم ذلك؟؟ لا أدري!! لكن القصة القصيرة تسير في دمي ووفائي لها كتابة وقراءة وحصراً وخدمة شاملة، ولا يمنع ذلك من الدخول في تجربة الرواية بل أنا أؤكد أن القاص أصدق من يكتب الرواية وأكثر مهارة من غيره. عبدالعزيز الصقعبي عبدالحفيظ الشمري