لا أعلم ما إذا كان يليق بطالب في المرحلة الابتدائية أن يكتب مقالاً يتحدث فيه عن قامة عملاقة من قامات الأدب العربي والتي لم يُعثَر على نسخةٍ مطابقة ولا حتى مقاربة لها حتى اليوم؟ اعذروني واسمحوا لي أن ألِجَ في الموضوع ولوجَ طفلٍ فوضوي لحفل مرتب ومعدٍّ لشخص رفيع المستوى لا يملك هذا الطفل من اللباقة ما يجنبه استهجان الموجودين لكنه رغم ذلك ظفر بنظرة حانية من تلك الشخصية فأومأ للجميع أنِ اتركوه يفعل ما يشاء! إنني سأتحدث عن أستاذي العبقري بموافقةٍ منه هو شخصياً! ولكي لا تطول نظرات الاستهجان التي تلقون بها إلى كلماتي الآن، وقبل أن تتهموني بالمبالغة الممقوتة! عودوا لأول الكلامفضلا لتتذكروا أنني استأذنتكم في الحديث كطفل، لأتحدث بشيء من الفوضى الوجدانية والشغب البريء، وليكون عذري مقبولاً في حالة وقوع زلل ما. أما بالنسبة لموافقته فلقد استشعرتها بينما كنت أقرأ تلك المقالات الساحرة، كنت أرى عينيه تراقباني بحنان من بين السطور وأسمعه يقول بلهجة أبوية أدبية رفيعة: انشري ما ترينه جميلاً تحدثي عنه بصدق وحب رافقتك السعادة! إنني في كل مرة تشتاق نفسي لقراءة أدب صقيل أباغت فيها مقالات الرافعي! قلتُ أباغت! لأنني عندما أدخل على مقالة أو رواية له أدخل بروح المباغت أو المفتش، لأرى هل ما زالت الكلمات كما تركتها؟! فلقد تركتها حبلى بالمعاني الخفية! أم تكاثرت وتناسلت؟! وماذا خرج من نسلها يا ترى!! إنني أتحسس الكلمة بيدي وأقول هل هي كلمة واحدة؟ ومكتوبة بحبرٍ عادي؟ وملاصقة لمستوى الصفحة؟ أم أنها مجسم كلمة يحمل في جوفه مجموعة كلمات؟! فأنفي ذلك التفكير بإقرار حقيقة هي الأوثق وهي أن كلمات الرافعي ليس لها جوف حتى تحوي داخلها غيرها! إذن يا إلهي لماذا تبدو الكلمة بهذه الضخامة ولها كل هذا الوقع؟! لماذا شعرتُ أنني (مارية)عندما قرأت اليمامتين؟! وأنشدت الشعر على طريقة الأفلام الغربية؟! وبكيتُ بحرقة لماذا تخيلت نفسي (أرمانوسة) بلباس الأميرات وطلتهن الفاتنة؟! ولماذا رأيت بأم عيني عمرو بن العاص متوشحاً سيفه يكبر من على صهوة جواده بوجهه المتلألئ؟! لماذا تخيلت نفسي زهرة من أزهار الربيع المتأنثة المتأنقة؟! وتخيلت أني نجمة متلألئة تزاحم النجمات لتكون هي الأكثر قربا من القمر؟! لماذا تحسست جسدي وتفحصت وجهي في المرآة لأرى ماذا يحمل من صفات نساء مصر وأجسادهن التي مسح عليها النيل بسحرة؟! لماذا تخيلتُ نفسي إحدى الحوريات الحافات من حول عرش العروس بل لماذا تمنيت لو كنت أنا تلك العروس؟!! أو تلك الطفلة الماسة! لماذا ندمت على أعياد مضت لم أعطها ضحكات صاخبة! ولم أتناول فيها الحلوى بما يكفي! ولم أتحرر فيها من همومي كما يجب! لماذا كرهت المدنية، والحوائط التي عزلتْ عنا نسيم البحر؟! لماذا استصغرت نفسي ورجعت إلى حقيقة ذاتي وكرهت ذنوبي؟! لماذا اشتقت إلى مشاكسات الطفولة! لماذا شممت رائحة النيل من مكاني وقضمت عود القصب؟! لم يكن يحدث كل هذا لو لم تضرب كلمات الرافعي أوتار وجداني، وتراقص صورهُ شعوري مراقصة العاشق لمعشوقته تحت المطر!؟ إنه لم يترك زهرة تغار من الأخرى ولا نجمة تتباطأ عن الظهور، ولا موجة تندم على المد ولا أخرى على الجزر! لأنها تعلم كلها أنها ستنال حظها وافياً من لمساته المثيرة! أي نوع من الجمال حملت روحه، وكم من نظرات الرضا فرقها على من وما حوله!