الاختلاف في الرأي هو الذي أوجد سباقات الخيول «مارك توين». الاختلاف هو أساس العيش، ومن أجل أن تفهم الآخر لابد من أن يكون لديك وعي ذاتي بنفسك، ومن ثم للآخر، الآخر في المجتمعات المغلقة يشكل تهديدا فيُهاجم، ويُرفض، ويُهمّش، وكما يقول علي الوردي: «ليس من العجيب أن يختلف الناس في ميولهم واذواقهم ولكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف». في حياتنا اليومية وتعاملاتنا لم نتعود أن نعترف باختلافنا، عدم الاعتراف هو نوع من التهديد للعلاقة،إلا أنه بمجرد قبول أننا مختلفون فلن نضطر إلى تغيير بعضنا، كان السؤال الذي أطرحه على نفسي دائما: كيف يمكنني أن أجاري رغبتي في أن أكون أنا في مجتمع يرفض الاختلاف؟ أحاول تعديل نفسي وتعليمها فن التواصل مع الآخر حتى لا افقد نفسي وأذوب في محيط الآخر، الآخر هو أنت بالنسبة لآخر غيرك، فعندما تحاول وتجتهد وتقبل الآخر كما هو عن طريق التعبير عن قبوله كلياً كما هو دون محاولة انتقاده أو تغييره ستنجح في بناء قناة اتصال معه دون المساس بمساحة الخصوصية التي يحاول الدفاع عنها والحفاظ عليها. وهنا يتجه ذهني إلى تفصيلات حركة احترام رغبات ومشاعر الآخر، وهو شيء يتعين علينا أن نحرزه وبدرجات عالية فهو أفضل ما يتبقى لنا في علاقتنا بالآخر «إن أهم شيء في التواصل مع الناس هو القدرة على سماع كل ما لا يقولونه». (بيتر دراكر). فكل انسان لدية رؤى وسلوك وخلفية ثقافية مختلفة عن الآخرين، واحترامها واجب جداً، وضرورة حتمية لنجاح العلاقات الانسانية والنهضة بالمجتمع. وفي الجانب الآخر يأتي المثقف والمفروض انه تنويري وذهنه منفتح على الآخر، فلم يكن دوره يوماً إلا للخروج من دائرة التقليدية ورفض الواقع القائم على احادية النظرة، والتعبير عن النقصان والرغبة في معرفة الآخر، والاكيد أنه لن يحتاج إنسانا عاديا إلى اللجوء الى ساحات الثقافة والتحليق في فضائها وهو مرتاح وقانع بافكاره وعيشه وحياته، لذلك يأتي المثقف المطلع ليكسر قنينة الجمود والمسلّمات المخدرة والتي تمنع الفرد من التفكير، وهو نوع من الاستقلالية الفكرية والتي تنعكس على بنية الانسان النفسية والاجتماعية والفكرية، وهذه الاستقلالية تدفعه الى مزيد من الوعي للوجود الانساني، فالمثقف مثل الاشجار المثمرة يعطي حميمية للأشياء المادية والنفسية، ومعه يتصادم مشهدان من الواقع والخيال للهروب من واقع جاف مخيف مرعب يلبس عباءة المثالية والخوف من احكام الآخرين إلى فضاء مفتوح من القبول بلا قيد أو شرط، وما أجمل المجتمع عندما تُسقِط الاقنعة المزيفة وتصبح أنت كما أنت في مرآة المجتمع بلا بحث عن قبول مشروط ومزيف.