استقطب عرض مسرح الشارع "عبس وذبيان.. حكايات الشعر والحرب" اهتمام جمهور جادة "سوق عكاظ" في دورته العاشرة والتي انطلقت مساء الثلاثاء 6 من ذي القعدة وتستمر حتى الجمعة المقبل. ونجحت مشاهده الأربعة "ذهب وعوسج"، "منازل الكرم"، "حكمة القدر" و"حوار السيوف" في أن تحصد اهتمام وثناء الجمهور لاسيما مع نقاء الصوت ووضوحه بعد أن لجأ المخرج ممدوح سالم إلى استخدام تقنية ال"بلاي باك" من خلال تسجيل الأداء الصوتي للممثلين في كل مشهد من مشاهد المسرحية ومن ثم يقومون بالأداء الشفهي والحركي فقط لضمان جودة الصوت. وتنبع أهمية "مسرح الشارع" والذي تميزت "جادة سوق عكاظ" بتقديمه في دوراته الثلاث الأخيرة في أنه يقدم قضايا اجتماعية وتاريخية وحياتية وترويجية بما تحملهُ من مضامين فكرية تستهدف عامة الناس على اختلاف انتماءاتهم وثقافاتهم، والتواصل معهم من خلال إسقاط المضامين التي يحتويها العرض على واقع حياتهم المعاصرة، مستهدفاً إيصال رسائل معينة إليهم بأسلوب اتصال مبتكر يعتمد المشاهدة الحيوية والتفاعلية، والأهم هو الوصول إلى الجمهور العادي في الشارع والذي لا يذهب عادة إلى المسارح التقليدية، ومن ثم خلق حالة من التفاعل بين الممثلين والجمهور، وكذا التخلص من النمطية والروتين التي تتصف بها المسارح التقليدية، وترسيخ التلقائية. وأكد مؤلف المسرحية حسين شاهين أن العمل يمكن وصفه بأنه 4 عروض مسرحية في عرض مسرحي واحد، إذ يتضمن 4 مشاهد كل منها يتناول فكرة مختلفة عن الأخرى، فيرصد المشهد الأول "ذهب وعوسج" مَلمحاً من ملامح المروءة والشهامة العربية في القضاء على قطاع الطرق الذين كانوا يغيرون على القوافل التجارية، وتتجلى قيم الفروسية والنبل في إغاثة الملهوف والأخذ على يد الظالم المعتدي، بينما يرصد المشهد الثاني "منازل الكرم" نوعا آخر من أنواع النبل والفروسية، وهو فروسية الكلمة، مستعرضاً منازلات عديد من شعراء التاريخ في ميدان الكلمة وتوضيح مناقبهم. وتداخل المخرج المنفذ خلدون كريّم، قائلاً: "كما يرصد المشهد الثالث "حكمة القدر" كيف يمكن أن يتغير حال الإنسان في لحظة، فبينما كان "عُطيل" أحد كبار التجار وسيد من سادات قومه، تحول فجأة إلى مشرد يهيم في الطرقات بعدما أفقده قطاع طرق ذاكرته وسلبوه ماله وتجارته، وتأبى الشهامة والكرم العربيين تركه على هذه الحالة المزرية، فيستضيفه عدد من التجار الكرماء إلى أن يهتدي إليه أهله ويستعيد ذاكرته وسابق مكانته. أما المشهد الرابع والأخير "حوار السيوف" فيرصد ما الذي يمكن أن يتسبب فيه الغدر والخداع من تأجيج للعداوة بين القبائل والشعوب والتي قد تستمر لسنوات طويلة كما حدث في حرب الأربعين عاماً بين قبيلتي "عبس وذبيان". وعقب الفنان أحمد بانبيلة –الذي يجسد شخصية "عكرمة"- بقوله: "ليس المقصود من تلك القصص التعرف فقط على التاريخ العربي العريق بكل ما يتضمنه من قيم وأمجاد عروبية، بل أيضاً إنزال هذه الوقائع التاريخية على الواقع المعاش حالياً للاستفادة منها في حياتنا اليومية، وكيف أنه يمكن بكلمة أن تشتعل حروب لسنوات لا يعلم مداها إلا الله، وبكلمة أيضاً يمكن إنهاء خصومات طال أمدها. من جهته أشاد عبدالرؤوف صديقي مدير إدارة المنتجات بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالأداء المتميز لفريق العمل، موضحاً أنه وعلى الرغم من وجود عدد من الممثلين الهواة جنباً إلى جنب مع الممثلين المحترفين، إلا أن الجميع كانوا على مستوى المسؤولية في الاستجابة للتعليمات وتنفيذ الرؤى الإخراجية المرسومة لهم بدقة كاملة. وأضاف أنه وعلى الرغم من صعوبة التحكم في كل هذا القدر من الممثلين والهواة وكذا الخيل والجمال وغيرها من العناصر المستخدمة في تجسيد التاريخ القديم للعرب، إلا أن فريق العمل بلا استثناء كانوا جميعاً على مستوى المسؤولية. ونوه إلى أنه وعلى الرغم من تميز فريق العمل ونجاحهم بشكل احترافي كبير في "البروفات" الميدانية بشكل تفاعلي حي، إلا أنه تم اللجوء إلى تسجيل الصوت بتقنية "البلاي باك" لضمان جودته لاسيما وسط الكثافة الجماهيرية التي يشهدها العرض الحي في مسرح الشارع ب"جادة سوق عكاظ". بدوره، أكد ممدوح سالم منظِّم فعاليات "الجادة" ومخرج مسرح الشارع، أنه وللعام الثالث على التوالي يخوض تجربة "مسرح الشارع" ضمن فعاليات "سوق عكاظ"، مشيراً إلى أنه يشهد تقدماً ملحوظاً عاماً بعد عامٍ، سواء على مستوى الأفكار، وكذا الأداء، بل وعلى مستوى انسجام الجمهور مع العروض أيضاً.. موضحاً أنه تشكلت خلال تلك السنوات القليلة حالة من الوعي الثقافي والفني لدى الجمهور خاصة فيما يخص "مسرح الشارع" والذي يختلف كثيراً عن مفهوم المسرح التقليدي. وعبر سالم عن سعادته بالاتصال الهاتفي "الذي تشرفنا وسعدنا به كثيراً لحظة مشاهدة واستماع من مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل للمعلقات الشعرية من الممثلين أثناء تدشين مهرجان "سوق عكاظ" في دورته العاشرة، وكان ذلك بمثابة وسام وتشريف أثلج صدورنا وزادنا قوة وإصرارا وعزيمة على بذل المزيد من الجهد والتميّز في بقية أيام المهرجان، وأيضاً لا ننسى الدعم الكبير من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز". ونوه سالم أيضاً بالأداء الاحترافي لفريق العمل في مسرحية "عبس وذبيان.. حكايات الشعر والحرب"، مؤكداً أنه ورغم وجود عدد من الشباب الهواة ضمن هذا الفريق "إلا أنهم أثبتوا كفاءة كبيرة تعكس ما تتوفر عليه المملكة من مواهب جديرة بالاهتمام".