داخل دماغ الإنسان يوجد ساعة تسمى الساعة البيولوجية، تعمل على ضبط إيقاع يومه ما بين اليقظة والراحة، وذلك من خلال تحكمها بالنشاط الهرموني للجسم المتخصص بذلك، وهي بالتالي تمكننا من الاستيقاظ صباحاً وتوجهنا للنوم في كل ليلة. وقد تمكن العلماء من رصد مكان الساعة البيولوجية بعد اكتشاف مجموعة من الخلايا العصبية تقع في النهار التحتي وسط المخ، تعرف بالنواة فوق التصالبية Supra Chiasmatic nucleus، ويبدو أنها مركز التحكم فى الإيقاع اليومي، وتتكون هذه النواة من جزأين، جزء يوجد فى النصف الأيمن من المخ، والجزء الثاني فى النصف الأيسر من المخ، وكل جزء يتكون من عشرة آلاف خلية عصبية ملتصقة بعضها ببعض، وتقوم على تنظيم الجداول الزمنية والتنسيق مع بقية الخلايا للوصول إلى ما يجب أن تكون عليه أنشطة الجسم على مدار اليوم. ومع تقدم العمر تتأثر هذه الساعة البيولوجية وبالتالي ثؤثر على اداء بقية اعضاء الجسم، وقد كشفت الأبحاث العلمية منذ القدم تأثير الساعة البيولوجية على المرأة، حيث تقل فرص الحمل مع تقدم العمر، وحتى لو حصل الحمل قد ترتفع تبعا لذلك مخاطر الإجهاض وولادة أطفال مصابين بالتشوهات الخلقية مثل مرض متلازمة داون بين النساء المتقدمات فى العمر بعد عمر ال35 سنة. ومع ان الدراسات التاريخية تشير الى ان الرجال قادرون على الإنجاب حتى في اعمار متقدمة، حتى عمر 94 سنة وهو اعلى عمر تم اثباته علميا، والبعض منا يعرف بعض الرجال الذين انجبوا بعد عمر المئة سنة، الا ان الرجال كذلك توجد لديهم ساعة بيولوجية تتأثر بتقدم العمر وتؤثر بالتالي على وظائفهم الحيوية ومنها جودة الإخصاب، فما هي الآثار المترتبة على الآباء الذين بدأوا بتكوين أسرهم في وقت متأخر؟ هذه الجزئية ما سنحاول ايضاحه في السطور التالية. في البداية من المهم الأشارة الى ان اكثر الأبحاث العلمية تشير الى ان ساعة الرجل البيولوجية والتي تضبط ايقاع خصائصه الحيوية تبدأ بالتغير بدأ من عمر الخمسين سنة، وهنا أشير الى اهم التغيرات التي تتصاحب عند الرجل بعد هذا العمر: * إنتاج هرمون الذكورة يتناقص تدريجياً عند الرجال مع تقدم العمر خاصة بعد عمر الاربعين سنة وبالتالي التأثير على قدرته البدنية وأدائه الجنسي. * كلما كان الرجل أكبر سناً، كلما استغرق فترة أطول لتمكين زوجته من الحمل، اذ إن احتمال تأخر حدوث الحمل لأكثر من عام يبلغ نحو 8% لدى الرجل تحت سنّ ال25 عاماً ونحو 15% لدى الرجل فوق سنّ ال35 عاماً. * مقارنة بالمرأة والتي يتوقف عندها التبويض عند سن اليأس، فإن الرجل يمكن أن ينتج الحيوانات المنوية عادة طوال حياته الا انه في نفس الوقت يحدث تناقص تدريجي في كمية السائل المنوي وكذلك عدد وتركيز الحيوانات المنوية وبالتالي قدرته على الإنجاب مع تقدم العمر لديه. * يحدث كذلك نقص تدريجي في جودة الحيامن اذ تقل حركتها وتزداد نسبة التشوهات فيها وهو ما يقلل من فرصة التخصيب عند الرجل مع تقدم العمر. * تزداد نسبة التكسر في الحمض النووي للحيامن وهو احد العوامل المهمة التي تضعف القدرة التخصيبية عند الرجل، ولا يعني مجرد قدرة الرجل على إنتاج الحيوانات المنوية أنها ذات جودة عالية. وبالخلاصة فإن فرصة الإنجاب عند الرجل تقل خاصة بعد عمر الخمسين حتى وان كانت فئة من الرجال قادرون على الإنجاب بعدهذا العمر، وفي هذا السياق اشارت معظم الدراسات المختصة الى ان فرصة الأنجاب عند الرجل تقل بنسبة 30- 40% بعد عمر الخمسين مقارنة بالرجال الذين تقل اعمارهم عن 30 سنة، وتقل هذه الفرصة طرديا بمعدل 2% كل سنة بعد هذا العمر. * يؤثر تقدم عمر الرجل على فرصة نجاح الوسائل المساعدة على الإنجاب في حال لجوء الزوجة لها، مثل عمليات التخصيب الصناعي والحقن المجهري لأطفال الأنابيب وقد يكون هذا عائد كذلك لزيادة نسبة التكسر في الحمض النووي للحيامن عند هؤلاء الرجال. * تزداد فرصة الإجهاض عند الزوجة التي يبلغ عمر زوجها اكثر من خمسين سنة حتى عند تحقق الحمل في هذا العمر، ويزداد هذا الخطر عندما يكون عمر الزوجة كذلك فوق 35 سنة. * تزداد مخاطر وتعقيدات الحمل عند النساء اللاتي يحملن من ازواج فوق عمر الخمسين مثل ارتفاع ضغط الدم الناتج من الحمل ومخاطر وفاة الجنين داخل الرحم وازدياد احتمال اللجوء الى عمليات التوليد القيصرية. * تشير معظم الدراسات التخصصية الى ازدياد نسبة التشوهات الخلقية في الأجنة عند الحمل من رجل بعد عمر الخمسين سنة ومن امثلتها متلازمة البيرت ومتلازمة كلاينفيلتر وتشوهات العظام. * أشارت بعض الدراسات الى وجود علاقة بين تقدم عمر الرجل عند حمل زوجته واحتمالية اصابة الجنين بأمراض القلب الخلقية، والإصابة بمرض التوحد وكذلك الصرع وبعض انواع الأورام مثل سرطان الدم. * أشارت بعض الدراسات الى ان احتمال اصابة الشخص بالأمراض النفسية ومن اهمها انفصام الشخصية بعد مرحلة البلوغ يزداد بمعدل ثلاثة أضعاف عند حدوث الحمل من زوج بعد الخمسين من عمره. * يقل معيار الذكاء بشكل ملحوظ عند الأطفال المولودين من آباء بعد عمر الخمسين. وفي المجمل فإن التغيرات التي تحدث على خصائص الرجل الحيوية نتيجة تقدم العمر لا تحدث فجأة كما هو الحال في المرأة بل تحدث تدريجيا خاصة ما هو متعلق منها بالقدرات الجنسية والإنجابية، ولكنها تغيرات حقيقية وواضحة خاصة بعد عمر الخمسين. وهنا ينصح الرجل بعدم تأخير الزواج وتكوين أسرته مبكرا، وقد اوضحنا في هذه العيادة الصحفية ان مشاكل تقدم العمر على النواحي الجنسية والانجابية لاتتعلق فقط بالمرأة بل يشاركها كذلك الرجل. يؤثر الزواج المتأخر على الرجل والمرأة تتحكم الساعة البيولوجية بالوظائف الحيوية للإنسان تبدأ ساعة الرجل البيولوجية بالتغيرات بعد عمر الخمسين سنة