ركزت السياسة الإقتصادية للمملكة خلال الفترة الماضية على دعم الايرادات غير النفطية حيث شددت في أكثر من مرة على ضرورة زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 ملياراً إلى 1 تريليون ريال سنويا وهو الأمر الذي يأتي توازينا مع مملكة ما بعد النفط خصوصا في ظل ما تشهده الأسواق العالمية من مرحلة غير مستقرة لأسعار النفط الذي يشكل نسبةً كبيرة من قيمة صادرات المملكة، هذا التوجه الجديد كان لزاما أن يواكبه مجموعة من القرارات التي تتماشى مع الموارد الطبيعية والبشرية التي تمتلكها المملكة خصوصا أن هذه الصادرات تشكل عاملًا حيويًا في جهود التنمية الاقتصادية في المملكة ، نظرًا لأهميتها في توفير النقد الأجنبي لتمويل قطاعات الاقتصاد السعودي، وكذلك استيعاب منتجات هذه القطاعات مثل الزراعة والصناعة والخدمات، إضافة إلى زيادة معدلات نمو الطلب الكلي الذي بدوره يؤدي إلى تحفيز نمو الاقتصاد السعودي، ما يترتب عليه تنويع وتطوير القاعدة الإنتاجية، هذا التوجه أكدت عليه المملكة مجددا حين شددت على نية وزارة المالية تنمية الايرادات غير النفطية من خلال رفع قيمتها بنسبة 224% لتصل إلى 530 مليار ريال . كل تلك الأفكار والرؤى ما كانت لتتحقق لولا وجود آليات تنفيذ وفرق عمل توصل الليل بالنهار لتخطط وترسم الخطوط العريضة لهذا الحراك الإقتصادي الذي تفرضه لغة الأرقام وحقائق السوق ، وما القرارات التي صدرت أمس الأول في مجلس الوزراء والمتعلقة بتعديل بعض الرسوم الواردة في عدد من الأنظمة إلا خطوات إضافية تسيرها المملكة في مجال مبادرات الإيرادات غير النفطية خصوصا أن تنويع الموارد الاقتصادية غير النفطية هدف استراتيجي ومستدام ويشمل ذلك تنويع الصادرات والإيرادات الحكومية، والقاعدة الاقتصادية لإنشاء اقتصاد قابل للتكيف مع متطلبات السوق والمتغيرات الطارئة يمكن من خلاله الحفاظ على مستوى عال نسبياً من الدخل ، كما يهدف هذا التنوع إلى خلق فرص عمل إضافية فالقطاعات النفطية معروفة بمحدودية الوظائف المباشرة لذا سيؤدي هذا التنويع إلى استقرار الاقتصاد وإيرادات الدولة في حالة انخفاض أسعار النفط على مدى أطول، هذه الخطوة ماهي إلا تحرك للأمام في طريق رفع الإيرادات غير النفطية وما تعديل الرسوم إلا مثال عما يمكن فعله لتقليل الإعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل. الوزارات المختلفة تحمل على عاتقها عبأ كبيرا في سبيل إيجاد مصادر للدخل تدعم هذا التوجه فكل الوزارات الخدمية قادرة على السير على نفس المنهاج ولنا في وزارة الشؤون البلدية والقروية خير مثال حيث أكدت من خلال مبادراتها 32 أنها ستلامس الإيرادات الخاصة بالبلديات وستتلمس مكامن الفرص لتوفير إيرادات تعود على الأمانات لتعزيز اعتماداتها المالية، بالإضافة إلى السعى إلى وجود بدائل مالية أخرى لتخفيف العبء عن الأمانات في إدارة وتشغيل بعض الخدمات وبعض المشاريع ، كما ان الوزرات مطالبة بالبدء فورا في ترشيد النفقات والتفكير جديا في خصخصة بعض الأنشطة والخدمات وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص وفق ضوابط معينة تضعها مما سيخفف الكثير من حجم الإنفاق الذي يتم على هذه المشروعات فمثلا مواقف السيارات التي تقع في الأسواق المركزية وإدارة بعض أعمال البلدية مثل الرقابة على المحلات التجارية وإصدار الرخص وإدارة النفايات ومعالجة المرامي كلها مشاريع جاهزة للاستثمار والخصخصة فالقطاع الخاص سيجد له من خلالها دورا كبيرا ليقوم به. القطاع الخاص سيكون جاهزا وشريكا حقيقا في تحقيق هذا الحلم وهذه الرؤية خصوصا إذا ما وضعت له القوانين والضوابط لذا من المتوقع أن تشهد بعض الأنظمة والإجراءات القديمة التي لا تواكب عصرنا الحالي ولا حجم اقتصاد المملكة واحتياجاته تعديلات كبيرة لكي تتواكب مع السرعة التي نسير بها وتصب في المصلحة العامة. المملكة نجحت في رفع الدخل الحكومي غير النفطي خلال الفترة الماضية