المتابع لنشرات الأخبار التي تبث عبر القنوات الفضائية، سيجد أن مقدم النشرة يحرص على أن يأخذ من الضيف ما يريد وما يتماشى مع سياسة القناة التي يعمل فيها، وهذا يتطلب من مقدم النشرة كثرة مقاطعة الضيف وتغيير محاور الطرح سريعا، ومتى ما وجد المقدم أن الضيف سيخالفه الرأي ولن يطرح ما يريده منه فسينهي الحوار متذرعا بعدة ذرائع من أشهرها ضيق الوقت. أما إذا كان الضيف ممن يعرف عنه توافق فكره وتوجهه مع القناة فإن ذلك سيعفي المقدم من مهمة المقاطعة، وكل ذلك يكون على حساب جوهر القضية. هذا الأسلوب في الحوار موجود في حياتنا ولكن بوجوه متنوعة، فعلى مستوى الأسرة نجد أن كثيرا من الآباء والأمهات يريدون لأبنائهم أن يكونوا نسخة منهم وأن يحذوا حذوهم في كل شيء، حتى في طريقة التفكير بحيث يكونون امتدادا لشخصياتهم ويتقيدون بالنهج الذي يحددونه لهم. هناك آباء وأمهات في مجتمعنا لا يؤمنون بأهمية الحوار مع الأبناء، وإعطائهم فرصة للتعبير عن رغباتهم وما يجول في خواطرهم، والنتيجة أجيال لا تعي ثقافة الحوار ولا تتقبل الرأي الآخر، وتخشى الانفتاح على العالم وبالتالي ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية والأمنية والتي يصعب حلها من خلال الحوار، والذي جاء متأخرا لأن الأبناء هنا تشربوا ثقافة أحادية الرأي. مشكلة الإرهاب وسهولة التغرير بشباب الوطن لجعلهم قنابل تنفجر هنا وهناك، هي أمور تدل على غياب ثقافة الحوار لدى كثير من أفراد المجتمع، ومن يمعن النظر في حال منفذي العمليات الإرهابية من أبناء مجتمعنا، سيجد أن الحوار المثالي كان غائبا عن حياتهم حتى أنهم أصبحوا ينفذون ما يمليه عليهم أعوان الشيطان وأعداء الوطن بلا تردد أو تفكير. الحوار الحقيقي ليس هو ذلك الحوار الذي يتيح لك أن تأخذ مني ما تريد ليتفق تفكيري مع تفكيرك، ولكنه الحوار الذي نحسن فيه الاستماع لبعضنا البعض، هو ذلك الحوار الذي يجعل الابن أو الابنة يبوح لوالديه عما يجول في خاطره، هو ذلك الحوار الذي يجعل الطالب يذهب طواعية إلى المرشد الطلابي ليستعين به لحل مشكلة يعاني منها، هو ذلك الحوار الذي يتيح لأي إنسان يعاني من ظلم أن يشتكي -بلا خوف أو تردد- لمن يملك الصلاحية والقدرة لرفع الظلم عنه. هو ذلك الحوار الذي يكشف للمجتمع كيف يفكر الأفراد، وما هي رغباتهم وما هي توجهاتهم الفكرية. الحوار في الحقيقة هو أسلوب حياة وضرورة لخلق مجتمع مترابط قوي قادر على حل مشكلاته وقضاياه بشكل مثالي وبكل وضوح وشفافية. فلنحسن الاستماع إلى بعضنا وليكن تركيزنا على قضية الحوار لا شخصية من نتحاور معه.