د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف - الجزيرة السعودية تلقيت دعوة من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لحضور اللقاء السادس حول “الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي". واستغربت في البداية هذه الدعوة غير المتوقعة لأنني اعتقدت للوهلة الأولى أني لست من الضيوف المفضلين لمثل هذه اللقاءات لما يراه بعض الزملاء مني من الصراحة المفرطة والبعد عن المجاملة، وكذلك لأسباب أخرى شعرت بها ولم تجرؤ صراحتي على التصريح بها. سررت بالدعوة التي أتت من شخص في غاية اللطف يعمل مع المركز ووافقت على المشاركة، إلا أنني ترددت فيما بعد بسبب كثرة المشاغل ولعدم تأكدي بمجريات مثل هذه اللقاءات، وللأمانة كانت لدي، مثل كثير من المواطنين، فكرة مسبقة عن هذه اللقاءات على أنها لقاءات مجاملات، ونشاط لا يشعر الكثير بأهمية وجوده ولن يفقدوا غيابه. ولكني قررت المشاركة كالتزام أخلاقي للزميل الذي كلف نفسه مشكورا مؤونة الاتصال بي، وبصراحة حمدت الله على المشاركة. حضرت مقر اللقاء وكان المنظمون، والحق يقال، في منتهى اللطف وحسن الاستقبال، وغالبيتهم من الشباب السعودي الذي يعملون في مجال العلاقات العامة، كما بدا لي، وكان من الواضح أن هناك جهدًا تنظيميًا ضخمًا بذل قبل حضور الضيوف للإعداد لهذا اللقاء، وكان هناك انتباه واضح لأدق التفاصيل، كما أن المضيفين كانوا في غاية الكرم، وأرى من الذوق والاحترام أن يشكرهم الجميع على ذلك. بدأت جلسات اللقاء في قاعتين أحدهما للنساء والأخرى للرجال يربطهما أجهزة نظام صوتي على مستوى عال من التقنية، وشاشات عرض كبيرة حديثة كان من الواضح أن المركز هو من تولى إحضارها وتركيبها. وفوجئت في الجلسة الأولى بوجود مجموعة مختلفة، وغير متجانسة من المشاركين، شخصيات مختلفة من حيث العمر، والمراكز، وكذلك الرؤى والأفكار، ومنهم كثيرون ممن لهم آراء خاصة متعارضة ومنهم من عرفت بعض آرائه بأنها معارضة لبعض التوجهات العامة لسياسات المملكة، فخمنت لماذا دعيت للقاء، فوجودي هو من ضمن الأصوات المختلفة في اللقاء بصرف النظر عن آرائي أو صراحتي. وقد كنت مترقباً لما سيحدث وكيف ستدار اللقاءات، ولا أخفي القارئ الكريم سراً، كنت من بعض المواطنين الذين لا يعيرون اجتماعات الحوار الوطني اهتماما، ولا يرون منها فائدة مادية أو انعكاس مباشر على حياة المواطن، ولكن هذه الرؤية تبدلت بعد المشاركة. بعد كلمة ترحيب قصيرة من أمين اللقاء شدد فيها على أهمية الحوار الوطني، وأهمية تعلم الحوار وتفهم الآخر، وضرورة تقبل الاختلاف، بدأ اللقاء الفعلي، وفوجئت أولا بأسلوب إدارة اللقاء التلقائية، حيث أن اللقاء كان يدير نفسه بنفسه، وذلك بأن يضغط المتكلم قاعدة الميكرفون أمامه ليحجز دوره في الكلام دون تدخل أحد، وكان لكل عضو حق التداخل لثلاث دقائق فقط بعدها ينبهه الجهاز بالخط الأحمر بانتهاء مداخلته تلقائيا أيضا، وحينها تتم مقاطعته، واتضح من خلال ذلك المخضرمون في حضور اللقاءات من ضغطهم المبكر على الأجهزة لحجز الدور مبكرا للمداخلة، لأن من لم يعرف هذه اللعبة ويضغط الزر متأخرا سيجد نفسه في ذيل قائمة طويلة مملة قد ينسى ما يريد أن يقوله قبل أن يصله الدور. كان الحضور، كما أسلفت، مختلفين ومتفاوتين في العمر، والجنس، والمستوى العلمي، يتواصولون في هذا الاجتماع تماما مثل تواصلهم في مواقع التواصل الإليكتروني بلا تفرقة أو تمييز، وكان الجميع يتكلم في حرية تامة دون مقاطعة، أو تعطيل من الهيئة المنظمة، وتطرق البعض لقضايا لا يمكن أن تسمعها عادة في لقاء تنظمه مؤسسة ترعاها الدولة. ولو حضرت وسائل إعلام خارجية، وترجمت لهم وقائع الجلسات لربما لن يصدقوا أن مثل هذه اللقاءات الصريحة تتم في المملكة. البعض انتقد المسئولين صراحة، والبعض الآخر طرح قضية محاكمة بعض المعتقلين، وغيرهم تكلم منتقداً ما أعتقده تعثراً في تطبيق الإصلاحات التي نادى بها خادم الحرمين الشريفين. كان الجو مفعما بالمصارحة، وكانت الاختلافات في الرؤى والآراء واضحة، ولكن لغة التهذيب تجعلها أقل حدة وتلطف أجواء الاختلاف. اللطيف في الأمر أنه في فترات من الجلسات كان يعرض وسم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في التويتر على شاشة ضخمة ليراها الجميع، ويشاهد المشاركون ما يكتب عنهم وعن الحوار الوطني مباشرة، بما في ذلك تغريدات بعض الحضور بأسماء مستعارة، وخلق ذلك جوا سرياليا فعلاً، فأنت تشاهد ما يكتب عن اللقاء داخل اللقاء مباشرة، وتشاهد أيضا ما يغرد به البعض من داخل القاعة، وكان النصيب الأكبر من الرتويت لمداخلة عضو إعلامي بأن آراء الطلاب والشباب متقدمة على آراء الأكاديمين، ويبدو أن الشباب طربوا لهذه التغريدة ولم يكذبوا خبرا فحلقوا بها عاليا على أثير الريتويت في التويتر. ولم أكن أعرف أن الجلسات تنقل مباشرة على وسائل الإعلام إلا عندما اعترض أحد ضيوف اللقاء في مداخلته متسائلاً: سمعنا أنكم أخرتم بث اللقاء لدقائق، وحصل جدلا خفيفا عند نفي أحد منظمي اللقاء لذلك موضحا الأسباب. وكما يقال ليس من رأى كمن سمع، فالسماع عن لقاءات الحوار الوطني، أو حتى تناقلها عبر وسائل الإعلام لا يعكس حقيقتها مطلقا. والناس قد لا تكون ملومة طبعا في انتقادها لأنها لا تستطيع الحضور والمشاركة مباشرة، وهي كذلك تتطلع لنتائج ملموسة على الواقع لنتائج الحوارات التي دارت في غالبها حول مواضيع حساسة للمجتمع السعودي، ولكن من يحضر جلسات الحوار يرى شرائح الشعب السعودي مختلفة تتحاور حول هذه المواضيع، بحيث أن التوصيات، لو كانت هناك توصيات، لا بد وأن تغلب عليها طابع العمومية لتتسع لعموم وجهات النظر، ولكن الكاتب متأكد من أنه لو شاهد مسئول أحد جلسات الحوار لاستطاع رصد اتجاهات الرأي العام داخل المجتمع السعودي، ولو رصدها دارسون لكانت مادة دراسية ثرية لتشخيص واقعنا الاجتماعي. وما دمنا بصدد الرصد، فقد كانت هناك لجنة تسمى “لجنة الرصد" تسجل أهم ما يدور في الجلسات، وتقدمه مكتوبا للمشاركين. وقد تم رصد، على سبيل المثال، الجلسة الثانية لليوم الأول في 64 ملاحظة، قدمت مطبوعة للمشاركين فيما بعد. وسيدور المقال القادم بإذن الله حول محضر رصد الجلستين، لعله يكون في ذلك مساهمة ولو بسيطة في مشاركة القارئ الكريم ببعض الآراء المهمة التي تم تداولها في اللقاء. وقد كان في اللقاء، كما في كل اللقاءات والندوات، لقاءات وحوارات جانبية مع بعض ممن سعد الكاتب بلقائهم، وكانت هذه الحوارات الجانبية على قدر كبير من الصراحة والأهمية، فأجواء اللقاء كانت تساعد على الصراحة والشفافية. وكان من قبيل ذلك لقاءات مع بعض أعضاء الهيئة المنظمة، وضيوف لهم مراكز مهمة في توجيه الرأي العام في المجتمع. وقد كرر المنظمون لأكثر من مرة أنهم منفتحون على جميع الاقتراحات التي تسهم في دفع الحوار الوطني للأمام وتسهم في استفادة عموم المواطنين منه. وقد يكون من المفيد النظر في كيفية توسيع دائرة الحوار لتشمل عددا أكبر من أفراد الشعب، كما نتمنى أن تثمن الجهات الرسمية ذاتها هذا الجهد الرصدي الهائل لآراء المواطنين لأن ذلك سيقلص من الفجوة الموجودة بين المسئولين والمواطنين. وربما يجدر بالمنظمين أن يفكروا في دعوة المسئول الحكومي الأول عن الموضوع المطروح في اللقاء للحضور بحيث يستمع مباشرة لآراء المواطنين حول أدائه، وتقتصر مشاركته مثل الآخرين بمداخلة من ثلاث دقائق فقط وعليه أيضا أن يكون سريعا لماحا للحصول عليها. استكمالاً لموضوع الأسبوع السابق الذي تضمن خواطر وانطباعات حول اللقاء السادس للحوار الوطني “الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي"، الذي نظمه مركز الملك عبدالله للحوار الوطني، وذكرت فيه من واقع مشاهدات أولية أن الجو كان جو حوار مفتوح حقيقي بسقف عالي من الشفافية والحرية. وأن الذين شاركوا فيه مجموعة ممثلة لقطاع عريض من المجتمع السعودي من حيث الثقافة، والمستوى التعليمي، والاتجاهات الفكرية، والفئات العمرية. كانت تلك انطباعات عن اللقاء الذي تم في أجواء أخوية أظهر فيها المتحاورون الكثير من الود والاحترام لبعضهم البعض الآخر. كما ذكرت أن المنظمين للحوار عبروا علنا عن رغبة حقيقية لتطويره وإحداث نقلة نوعية فيه، وهي رغبة وافقها عليهم كثير من الحاضرين مما رسخ كذلك القناعة بأن هذا الحوار وجد ليبقى وينمو وأنه ليس مجرد ظاهرة عابرة، أو نشاط مؤقت. وهذا أمر مبشر بالخير. المنظمون بالطبع لديهم خبرة متراكمة من الحوارات السابقة غير أنهم يرغبون في أفكار تطويرية جديدة ولا يهم من أي جهة قدمت، وقد طلبوا مقترحات الجميع داخل اللقاء وخارجه صراحة، فالحوار وطني، والمعني به الوطن بمجمله. ومقارنة باتساع الوطن وتوزعه على رقعة جغرافية كبيرة تختلف قليلاً في بعض جوانبها الاجتماعية مثلها مثل سائر المجتمعات، تجمعها أواصر الدين والمواطنة، وأخذا بعين الاعتبار تنوع الأطياف الفكرية نتيجة للانفتاح الفكري والإعلامي على الخارج فإنه يصعب جمع الجميع في ساحة حوار مغلقة، وعليه بدا لقاء الحوار الوطني رغم تنوع أطيافه وكأنه تجربة صغيرة داخل مختبر صغير. ومعروف أن معظم التجارب المختبرية في مجال العلم، بما لها من تأثير كبير على حياتنا فيما بعد، تتم في حيز محدود وفي بيئة، وعوامل، ومتغيرات من السهل التحكم بها وبمتغيراتها، وهي تقدم نتائج أولية مبهرة ومشجعة للباحثين، غير أنه عندما تتم محاولة الخروج بها للفضاء الخارجي، وتطبيق نتائجها في البيئة الطبيعية الأوسع، حيث يستحيل التحكم في مثل هذه المتغيرات، تكون النتائج مختلفة تماما وتحتاج وقتا طويلا من المراجعة وإعادة الحسابات لتنضج. كما أن نتائج تطبيقها على عينات متغيراتها غير مستقرة قد لا تكون بالضرورة قابلة للسبر والقياس بسهولة التجارب المختبرية، وآثارها قد تكون أقل. ومع ذلك لم يكتشف العلم حتى اليوم، ومع تقدم العوالم الافتراضية، والقدرات الحاسوبية أي وسيلة أو منهج لتجاوز هذا الإشكالية، مما يعني أنه على منظمي الحوار ألا يصابوا بالإحباط أو يتخلوا عن حماستهم لتعميم روح الحوار لأن الطريق أمامهم طويلة لتنضج تجربتهم وتظهر آثارها على المجتمع. الأمر الآخر الملاحظ هو أن الحوار ما زال ينصب إلى حد كبير على الجوانب السلوكية التي تُعني بالتزام التهذيب والأريحية عند تبادل الكلام في السياقات الجدلية، كما تحاول تعزيز روح الاحترام للآخر وتقبل وجهة نظرة، وهذا شيء جميل. فنحن نطلق على السياقات الجدلية حسب شكلها ونجاحها مهمتها أوصافا مختلفة: فعندما يشتد الأخذ والرد في الكلام نسمى ذلك نقاشاً، وعندما يحتدم نطلق عليه شجاراً، وإذا تصاعد أطلقنا عليه صراعا، ولكنه عندما يكون مؤدبا وسلمياً نسميه حوارا. والنزاع أو الشجار إذا كان بين أطراف تربطها أواصر محبة، وأخوة، ومصالح مشتركة استحال حوارًا، والعكس صحيح. ورسالة اللقاء كانت رسالة موجهة للمجتمع بأن الجميع يجب أن يستفيد من مكتسبات الوطن الذين يتشاركون فيه، وأن يعلوا من قيم الدين والمواطنة والأخوة التي تربطهم ليكون كل جدلهم حواراً لا شجارا، لأن الحوار ينتهي بالود بعد الاختلاف، والشجار يفسد قضية الود ولا يفضي لحل لموضوع الجدل. والخبراء يرون أن السلوك الإنساني الخارجي تكون دوافعه عقلية، ونفسية، داخلية تحكمها قناعات وبنى فكرية متأصلة في عقل الأفراد والجماعات، والحوار أحد هذا السلوكيات التي تحكمها الأوضاع العقلية للأفراد والجماعات. وهذه ليست قضية جديدة للدراسة بل قضية أشبعت درسا سواء في علوم النفس والتربية، أو علوم الدراسات السلوكية. فالسلوك الخارجي بما في ذلك الحوار العابر الوقتي هو نتاج تلك البنى المستقرة القابعة في عقل الفرد التي تجذّرت عبر سنين حياته وما تعرض له خلالها من مواقف تربوية وممارسات عرضية. ولذلك فيمكن أن يكون من أهم سبل تطوير الحوار هو النظر في وسائل وإمكانيات التأثير على هذه البني العقلية للأجيال الشابة لجعلها أكثر انفتاحا ومرونة، وترسيخ ذهنية تقبل الاختلاف بدلاً من الاقتصار على رصد الظواهر الخارجية للسلوك الحواري. وهنا تكون التربية والتعليم مربط الفرس، فما لم تستفيد التربية والتعليم من ذلك بإحداث تغيير جذري في بعض الأساليب التربوية سنستمر في تخريج أجيال أحادية التفكير تلتزم بحدة بذهنية أحادية الرأي، وستكون محاولة تدريبها فيما بعد على أسس الحوار غير مجدية. ومن المعروف من الدراسات النفسية-الاجتماعية، التي تعني بالجوانب النفسية للمجتمعات، وتعنى بعلاقات الأفراد مع بعضهم البعض الآخر، وعلاقتهم بالجماعات المحيطة بهم، وعلاقات الجماعات ضمن مجتمع واحد، أن الحوار، بمفهومه الواسع هو الأساس والعامل الرئيس في تماسك الجماعات والمجتمعات أو تفرقها. وإذا تعثر الحوار الودي تتأزم الأمور وتتحول لا سمح الله إلى أنواع أخرى من الحوار أقوى وأعنف. وعليه فجميع المجتمعات المتحضرة تسعى لإبقاء الحوار في حدوده الودية والمتحضرة حتى ولو كانت الاختلافات كبيرة وعميقة. ولذلك ومن أجل تطوير الحوار الوطني أيضا وإخراجه للطبيعة المجتمعية الواسعة التي أنشئ من أجلها، وعدم الاكتفاء بالنتائج المختبرية التي تتم في اللقاءات وتقتصر على عدد محدود من الأفراد، وقد يحتاج المنظمون لتحقيق ذلك الكثير من الأفكار الإبداعية التي تأتي، كما يقال، من خارج الصندوق. فمثلاً في اللقاء الذي تم، كان إدخال شاشة التويتر في الاجتماعات أمر رائع وملفت، فلماذا لا نفكر في العكس، وهو إدخال الحوار داخل التوتير، وذلك بطرح قضايا معينة يعلن عنها مسبقا، في أوقات محددة على مواقع التواصل الاجتماعي ليشارك فيها الجميع، بصرف النظر عما قد ينطوي عليه ذلك من مواقف سلبية من البعض، فالهدف هو تعويد المجتمع على الانتقال من الحالة الشجارية للحالة الحوارية. كما يمكن توسيع نشاطات وصلاحيات المركز ليعني بالحوارات الأهم والأكبر داخل المجتمع، والمقصود هنا ليس الحوارات الفكرية فقط بل حوارات التواجد المشترك، والمصالح العليا، حوارات تهذب المصالح المتضاربة و تبصر أصحابها بأهمية المصير المشترك. فمشكلة الإسكان، مثلاً، مشكلة متجذرة في المجتمع، وتطال شريحة كبيرة من المواطنين الذين لا يتفهمون بقاءهم بدون مساكن في مجتمع يمر بمرحلة وفرة وطفرة، وهناك إجماع على أن مصالح شريحة عريضة من المجتمع مرتهنة لدى شريحة أخرى. ولذا يمكن أن يكون هناك حوار صريح حول هذا القضية التي لا يزال بعض أطرافها يفكر من منطلق مصالحه الآنية الضيقة فقط متجاهلاً ما تسببه لأشقائه المواطنين من عناء وشقاء، وغير عابئ بما يمكن أن تجره للبلاد مستقبلا من الأمور التي قد تتسبب، لا سمح الله، بأذى للجميع وعلى رأسهم هذه الفئة نفسها التي ترفض المشاركة في حلها وتتجاهلها وكأنها لم تكن. فأطراف أزمة السكن فعلا ليست الدولة والمواطنين فقط ولكن أطراف أخرى لا بد وأن تتحمل مسئوليتها. فأطراف هذه الأزمة تتحاور بشكل خفي ومستمر بلغة الاقتصاد والمصالح المادية والإنسانية، وهي تدفع المجتمع في اتجاهات متباينة. وما يفاقم هذه الأزمة وغيرها هو تمسك بعض الفئات بمصالحها الضيقة فقط ونبذ مصالح الفئات الأخرى، أي أنها تتبني لغة أحادية المصالح، أنا وبعدي الطوفان، وهي لغة لا تحترم الآخر وتسلبه حقه في حياة كريمة. ولو اجتمعت هذه الأطراف في لقاءات مثل تلك التي تتم فيها الحوارات الوطنية، وتبادل الناس الأفكار علنا وبشفافية وباحترام لبعضهم البعض الآخر، ونقلت تلك الحوارات للمجتمع ككل لربما وضعنا أقدامنا في الطريق الصحيح لحلها. ختاما، نتمنى للإخوة في الحوار الوطني كل التوفيق، وأعانهم الله على مسئولياتهم.