عندما كنت في الصف الثالث ابتدائي أذكر أن معلمي لقنني وزملائي أن النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة! حفظت هذه المعلومة عن ظهر قلب وسمّعتها في الامتحان وحصلت على الدرجة الكاملة في الفقه بفضل الله. ولكن كانت هنالك مشكلة واحدة... لم يعلمنا أستاذنا أثابه الله ما معنى كلمة بدعة؟ ظننت وقتها أنها تحمل معنى مقارباً لسنة أو مستحب. وبناء على فهمي القاصر رحت أقول قبل الصلاة وقبل الوضوء وبصوت منخفض لا يسمعه غيري "نويت الوضوء" و"نويت الصلاة". مرت الأيام وصادف أن صليت الجمعة وأنا طفل في مسجد مختلف فإذا بي أسمع الإمام يخطب قائلاً "وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار!" الأمر الذي فجر الأسئلة وأثار الحيرة في داخلي إلى أن عرفت المعنى الحقيقي لكلمة بدعة.. مقالة اليوم تحاول مناقشة ما التعليم الذي يجب أن نوفره لأبنائنا للعشرين سنة القادمة؟ قبل التوجه للمستقبل أعود بكم للماضي حيث يصف أحد الاساتذة اليابانيين الذين عملوا في جامعات المملكة العربية السعودية قبل عشرين عاماً واقع الطلبة السعوديين قائلاً:"إن الطالب السعودي لا يقل في مستواه وتحصيله العلمي عن نظيره الياباني أو الأميركي بل وقد يتفوق عليهما أحياناً، ولكني لا أستطيع أن أفهم لماذا يكتفون بحفظ الأبحاث العلمية التي أعطيهم إياها عن ظهر قلب بدل أن يدرسوها ويحللوها ويناقشوا مصداقيتها؟". لا شك أننا لا نستطيع أن نعمم رأي هذا الأستاذ كونه رأياً فردياً مبنياً على تجربة قديمة، بيد أنه يمكن الاستئناس به في تشخيص واقع التعليم في العالم العربي.. ونعود للنقطة الأهم عن التعليم الذي سيحتاجه ابناؤنا للأعوام القادمة. نعلم أن أنظمة الذكاء الاصطناعي من المتوقع أن تتفوق على الدماغ البشري بحلول عام 2040م. وبناء عليه سيفقد البشر الكثير من الوظائف خاصة تلك التقليدية القائمة على الحفظ أو الأعمال اليدوية البسيطة. ويبدو أن التحدي سيكون حقيقياً حيث وحسب مجلة Business Journal بتاريخ (23/5/2016) فالحكومة اليابانية تدرس قانونا لحفظ حقوق الملكية الفكرية والإبداعات الخاصة بالذكاء الاصطناعي والروبوتات. بكلمة أخرى هذه الأنظمة الاصطناعية قد تمتلك القدرة لرسم اللوحات ووضع التصاميم وكتابة الأشعار وتأليف الألحان! وفي اليابان أصدرت وزارة التعليم الياباني العام الماضي سياسة جديدة تركز في المنظومة التعليمية على بناء القدرة لدى الطالب للتفكير والتعبير واتخاذ القرارات ومنحه الاستقلالية والقابلية للانفتاح على الثقافات المختلفة ناهيك عن المهارات والمعرفة. أما السويد فيركز التعليم فيها على تمكين الطالب من حل المشكلات وامتلاك الفكر النقدي. وتجدر الإشارة إلى أن التعليم مجاني في السويد ومعظم المدارس هناك حكومية يرتادها أبناء المجتمع من مختلف الطبقات الاجتماعية والأعراق المختلفة من أهل البلد والأجانب واللاجئين ما يتيح للطالب القدرة على التعايش والتعلم من الثقافات المختلفة. أما في السعودية والعالم العربي فبالإضافة إلى ما ذكر أعلاه فنحتاج العمل كثيراً على مهارات التطبيق العملي والفني، تطبيق القيم الأخلاقية، العمل بروح الفريق والتصميم الإبداعي. وأختم بقصة عن التفكير النقدي حيث أتيحت لمحدثكم الفرصة لإلقاء محاضرات في مؤسسات وشركات وجامعات يابانية ودخلت في مناقشات حامية الوطيس، إلا أن أصعب سؤال واجهني كان من طفل صغير في مدرسة ابتدائية يابانية عندما وجه لي سؤالاً بعد محاضرة قدمتها له ولزملائه عن المملكة قائلا:" ذكرت أن الثوب السعودي مصمم لمقاومة الحر ولذلك كان اللون الأبيض بحيث لا يمتص حرارة أشعة الشمس.. إذا كان الأمر كذلك فلماذا عباءات النساء عندكم لونها أسود رغم أنه لون قاتم غير مناسب للأجواء الحارة؟".