العيد في معناه عودة اليوم وتكرار مناسبته، وأهم ما يتميز به إظهار الشكر للمنعم والحمد والثناء ويتصف المجتمعون في العيد بكل ما من شأنه الرضا والسعادة والسرور لأنهم في يوم بهجة بما هم فيه من نعمة، وهو في واقع الحال يوم من أيام السنة مثله مثل بقية الأيام لكنه جاء بعد عبادة وتمامها فالفرحة فيه لهذا السبب، أي للقرب والتقرب من الله عز وجل كما يفرح الأجير بتمام عمله واتقانه وتجويده فينتظر أجره، وفيه تزداد الأعمال الخيرة من تواصل وسلام وبداية علاقات طيبة ونسيان الشحناء إن وجدت ونبذ الخلافات وطي صفحاتها المقلقة، وفتح صفحات جديدة تتجدد بعلاقات أفضل وتعامل أجمل. فاتت أعياد السنه ذي عيد عيد والشقى ياكل من الحسرة يديه وللعيد في نفوس الناس مكانة تختلف عن بقية الأيام لهذا أولوه اهتماماً من جميع النواحي وحرصوا على أن يكون هذا اليوم يوم اجتماع لهم مع أقاربهم وأحبابهم ومعارفهم، وحرصوا أيضاً أن يقضوه في مكان يحمل كل ذكرياتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، من طفولتهم إلى العمر الذي هم فيه لتكتمل تلك السعادة، ومن شدة تطبيقهم لذلك قالوا قولتهم المشهورة "يوم العيد سلام القاطع" ومعناه أن القاطع الذي مضى عليه وقت طويل لم ير فيه قريب ولم يسلم على ذي رحم وقرابة لا يفرط في ذلك اليوم ولا يفوته رغم اتصافه بصفة الانعزال والقطيعة طيلة العام، والعبارة تدل على أهمية يوم العيد الذي فيه يهتم حتى القاطع بأن يحضر وينضم للمجموعة ويتفرغ للصلة ويسعد مع من سعد. ويتنوع الشعور والإحساس بفرحة العيد من فرد وأفراد إلى آخرين ففي الظاهر والمظاهر نرى معيدين مجتمعين ولكن يحمل كل منهم في داخله شعوراً مختلفاً وعيداً مختلفاً، وهذه الأعياد لها ارتباط بالظروف. فهناك العيد في الذكرى والخيال: إذ يعيش بعضنا يوم العيد ضمن ذكراه الجميلة يوم أن كانت البساطة هي السائدة في المجتمع، في وقتها يفرح الصغير والكبير بكل شيء، حتى بالعيدية البسيطة، كما يفرح أيضاً بالشبع من طعام العيد المقدم في الطريق، وهو طعام يقدم في الطرقات والحارات لأهل البلد والمارة ويجمع الجيران، ومن تكرار تقديمه ارتبط بذكريات رسخت في مشاعر من عاشها. وهناك عيد افتراضي لا كما هو في الواقع: ويعيشه بعضهم بافتراض أن يكون يوماً سعيداً حتى ولو كانت الأحداث المؤلمة هي الواقع، لكنه التفاؤل ورجاء أن تنفرج كل أزمة وتزول كل غمة، فالمريض يفرح والأسير كذلك والفقير وذا الحاجة وأهل البلاد التي تعيش في ظروف صعبة بين القلاقل والحروب، لأن التفاؤل هو غذاء أرواحهم المتعبة. كما أن هناك عيد المجتمع في عمومه: وهو عيد الكل فهو للمجتمع كله وليس لفرد بعينه ومن هنا نقول إن المناسبة التي يمر بها المجتمع مناسبة سعيدة تحمله كله على أن يكون كذلك، وما تبادل الهدايا والتحية والسلام والتقارب والتواصل إلا من أجل تحقيق هذه الحالة التي يكون فيها بغض النظر عن تفاصيله وظروف خاصة أو لدى بعض أفراده. كما أن هناك عيداً للصغار: فالأطفال عيدهم فرحة لا يشوبها شائبة، فالعيد في الغالب تتبين كثير من مظاهره السعيدة البسيطة لدى الصغار، في ألعابهم وتفاعلهم واهتمامه باللحظة التي يعيشونها، أولئك الذين لم تثقل كواهلهم بعد هموم الحياة وترقب المستقبل، ولم تؤثر في نفوسهم بعد مصاعب أو منغصات كثيرة. ويقول الشاعر محمد الشهري صدقيني العيد نفسه ما تغير من سنين فرحة اطفال وتلاقي لمّة احباب وقرايب والاغاني والكروت وقولة (مْن العايدين) والتمام الشمل يوم العيد وانسام الهبايب والتهاني والهدايا وحب روس الوالدين والمواصل للعمام وللخوال وللنسايب كل حاجه مثل ماهي بس انا حالف يمين إن لا غبتي باسجّل نفسي في هالعيد غايب ما ليوم العيد طعم وما لها الذكرى حنين وكل منّا في مكان وكل واحد له طلايب وأما عيد الأسرة و الوالدين: فهو وإن كان من المفترض أن يكون امتداداً لفرحة دائمة إلا أن يوم العيد يتجدد فيه التغيير إلى الأفضل، فقد تأخذ طاحونة الحياة وأيامها والعمل الدؤوب والروتين الممل الكثير منا فينسى أن مثل هذا الروتين كفيل بأن يخفي معالم الوفاء رغم وجودها، والإفصاح عنها رغم تمكنها وثبوتها، ولكن يوم العيد ينفض عنها رداء غيبها، وفتور جعلها في عداد العلاقات العادية وأبعدها من قائمة الأوليات، وهذه قد تحصل في حياة بعضنا كثيرا ولكن يوم العيد يعيدنا لرؤية تتجدد. ونأتي إلى مستجدات أثرت في حياتنا عموما وفي مظاهر العيد على وجه الخصوص وهي تلك التقنية الجديدة وأجهزة التواصل التي بدأت بسيطة ثم زادت من أثرها، فلقد تأثرت مظاهر العيد بعد تلك الأجهزة تأثراً واضحاً مجاراة لبقية ظروف أخرى من ذلك تباعد المساكن والديار وتعقد الحياة بمشاغل الناس التي لا تنتهي، فأصبح بعضهم يكتفي بإرسال رسالة أو يكتفي بالتواصل عبر حروف قد تفي بالغرض من حيث الشعور بأن الفرد لا يزال في دائرة الضوء وأنه لا يزال في الصورة ولم ينس بعد، والحقيقة أنها علاقات افتراضية وليس واقعية، وينقصها الكثير من روح العلاقات الحميمية الجادة. ويقول الشاعر شبيب غزاي: العيد فرحه و اجتماع وتقارب وأنا قضيت العيد ماني بمرتاح هارب من التفكير يا ناس هارب أمشي مسافاتي على هم وجراح مالي مع الفرحه رصيد وتجارب هاذي حياتي ما بقى شي ما راح عيد الذكريات: قد يتصدر مشهد العيد عند كثير منا ما نسميه عيد الذكريات التي تحضر مع كل عيد نعيشه في الواقع، نتذكر فيه الماضي ونقارن، نعيش واقعاً يوم عيد ونعيش خيالنا عيد ذكرياتنا، وهذه الذكريات كثيرة ينفرد بها كل منها مع نفسه، فهناك عيد الفقد، وعيد الوجد، وعيد الأمل، عيد كله تفاؤل أن يكون يوماً أكثر إيجابية مما قبله من أيام العمر، لهذا يكون انتظاره أجمل ووداعه أعذب لترقب القادم، وكل عيد يتجدد معه متغيرات تجعله في نظرنا مختلفاً عن بقية الأيام رغم أنه أحدها، وكبار السن خاصة يعيشون يوم العيد مع ذكرياتهم، أكثر من واقع الشباب فيه لهذا يكونون في الغالب أكثر بهجة. وأما عيد الفقد فيبقى يوم عيد لم يتغير سوى في داخل القلوب المكلومة، ويبقى رغم مظهره مفرغ من معانيه في حال بعضهم عندما يقارنه بأعياد مضت ويبقى الصراع من الغربة والهموم والبعد خفي تبوح به النفوس لذاتها. يقول الشاعر فواز العتيبي: نهار العيد يايمه غدا مثل العزاء بعيني لذيذ النوم ماذقته ثلاث ليال يا يمه لذيذ النوم وين ألقاه وحزني ساكنٍ فيني يمر النوم قدامي ولا نيب أقدر أخمه حتى قال: يمر العيد بعد العيد ولا به من يعزيني عزاي إني كتبت الشعر وذاب البعد في كمه و يقول الشاعر سعود الهاجري ياعيد وين اللي للأحباب ملفا اللي معاها تكتمل فرحة العيد من عقبها كل الأحاسيس تلفا تغيرت حتى مواريك ياعيد ماعاد به جمعا ولاعاد ولفا ماعدت عيد ولاانت ياعيد بسعيد دار الزمان وعود الوقت صلفا تحولت خضر الفياض إلجراهيد ويقول الشاعر نواف الناصر: ياليلة العيد قولي ويش أسوي بك؟ مادام اُبويه رحل ماعدتِ تعنيني يالعيد واللهِ ما اقصد في عذاريبك لكن فراقه فتق بالقلب جرحيني ومما يؤسف له أن بعض منا لم يعد يهتم بيوم العيد كما يجب، فقد أثرت الظروف الاقتصادية وغيرها على المجتمع وأفرزت وضعاً جديداً مختلفاً سحب من هذا اليوم روحه التي تنبض بالمودة والتقارب، فبعض منا صار يسهر كل الليل قبل وفي ليلة العيد حتى إذا ما أشرقت شمسه صار لا يقوى على التوصل الصباحي وحضور المناسبات السعيدة التي تسود فيه فتفوته اللقاءات وينقطع من التواصل، حتى إذا فات يوم العيد وتفرق الناس استيقظ بعد غياب شمسه، وبعض العائلات والأسر حولوا الاحتفال بالعيد واللقاءات فجعلوها ليلا، وهذا فيه تعويض عن ساعات النهار ولكنها تبقى لقاءات معزولة عن عموم المجتمع بكل أطيافه وأفراده، جيران وأقارب ومعارف وغيرهم، ومع تكرار الاقتصار على مجموعة الأقارب في العيد نفتقد بقية أفراد المجتمع وتتسع زاوية الافتراق عنهم. يقول الشاعر: يافرحتي والعيد ماعاد به لون العيدعندي صار بالحيل عادي عيدي تبونه؟ في ثرى العود مدفون يعود كان انه من القبر عادي اهناك خليته وعودت مديون بدونه يصير العيد لونه رمادي العيد يجذب لي متاهات وطعون لا جيت و ماشفته تموت العيادي ويقول الشاعر محمد بن فطيس فات عيد الفطر ما شفت البعيد وعيد الأضحى فات مثله مثل اخيه شفت في عيد الفطر حزن فريد وشفت في الأضحى الحزن أمه و ابيه فاتت أعياد السنه ذي عيد عيد والشقى ياكل من الحسرة يديه تقديم الوجبات في الشوارع محاوله لاستعادتة فرحة العيد