كل أيامنا ولله الحمد صارت بجمال العيد ومظهره مما جعل يوم العيد من ناحية المظهر واللباس والمأكل والمشرب مشابهاً لبقية الأيام، بعد أن كنا في سنوات سابقة نعاني الكثير وقد لا نجد الجديد من الملابس إلا في يوم العيد، كذلك الغذاء، فقد كانت فرحة الأطفال بالشيء الجديد والهدية البسيطة لا توصف، وربما كانت معايدة الطفل بريال أو صفارة أو لعبة تعمق ذكراها لديه ولا ينسى من أهداه وعايده، وما ذلك إلا لقلة ذات اليد وبساطة المجتمع في معيشته، وأسلوب حياته، كذلك فرحة تقديم الطعام للجميع في موائد عامة في الطرقات يدعى لها من حضر، مما جعل يوم العيد يوم يشبع فيه الجائع ويكتسي الجميع جديد اللباس، ويتعاون الناس فيما بينهم للوصول إلى عموم الفرحة. إن تعريف العيد لا يحتاج إلى دخول في تفاصيله أو وصف حالة المجتمع في أيامه، سواء السابقة أو الحالية، ذلك لأنه قد حفر في ذاكرة التاريخ صفته، وفي نفوس الناس كل معانيه، فعندما نذكر العيد ونردد مسماه نتذكر فرحة الجميع بتمام عبادتهم. وتمتد الفرحة مرتسمة على الوجوه ابتسامة وإشراقة ترمم ما في النفوس من تعب الحياة وظروفها فيتناسى الجميع كل شيء إلا صِلاتهم وتواصلهم مع بعضهم، وتجديد العلاقات فيما بينهم فإن وجدوا فرحة وإلا اصطنعوها من أجل أنفسهم ومن معهم وحولهم ومن يشاركهم هذه الحياة حتى يعم الابتسام وبهجة الأيام. وأغلب الناس لا تفوته فرصة حضور أيام العيد في بلدته وبين أهله وذويه ويحسبون لمثل هذه المناسبة حسابهم ويستعدون لها، بحيث يتواجدون في بلدانهم يحضرون صلاة العيد ويتناول في أحياء بلدتهم طعام العيد الذي يتم تقديمه في الصباح بعد انتهاء صلاة العيد، وهي لحظات تعد من أجمل ساعات اليوم يعقبها التواصل بين الجيران والأقرباء والمعارف والأصدقاء، ومن الأقوال الدارجة قولهم (سلام العيد، سلام القاطع) أي أن القاطع الذي انشغل عن التواصل لا يمكن أن يفوته سلام العيد، وذلك لأهميته عند الجميع، فالقاطع طيلة السنة لا يقطع سلام العيد، فكيف بالواصل الذي يحرص طول السنة على السلام، لاشك أنه في هذا اليوم أحرص. يقول الشاعر إبراهيم بن عبد الكريم العتيق رحمه الله : قالوا العيد؟ قلت : العيد بالديرة اترك اللي إلى جاء العيد ما جاها من جفا ديرته ما يرّجي خيره حالف إني فلا أنسى ملحها وماها ولكن بعضهم تجبره الظروف على العزلة والاعتزال في يوم العيد فلا يحضر اجتماع أهله وقرابته، إما لظروف وظيفة وتجارة واقتصادية كمن يعمل في تجارة وسفر يجبره على ذلك أو كما هم كثير من الموظفين الذين يرابطون أيام العيد ويلتزمون بإدارة العمل بدلاً من زملائهم الذي يتناوبون هم وإياهم على العمل في تلك الأيام وغيرها من المناسبات والإجازات. ويصور لنا الشاعر صقر النصافي رحمه الله، في قصيدة تصور حالته وولده المشابهة لمثل من يعمل أيام العيد ولا يحضر المناسبة، فقد حضره العيد وهو في سفر ومعه بضاعة لا يريد أحد أن يعرف بها، إما لكونها مهربة أو لأنه متى ما عرفت البضاعة تمت منافستها فرخصت بعرض أكثر منها في السوق، يقول موجهاً قصيدته لابنه (علي) الذي انشغل بحفلة عيد عن المهم حيث سمع أصوات حفلة فذهب إليها ويبدو أنه سرب بعض المعلومات عن بضاعة وتجارة والده عندما سأله أحد الحضور وما كان ينبغي أن يكون بهذه السذاجة في مقياس والده لأمور يتحتم سريتها. يقول صقر النصافي في القصيدة: يا علي خل العيد لأم الدناديش اللي تنظف كل يومن جسدها تبغي تماري ناقضات العكاريش في كل ملفاح تنقض جعدها العيد عيد الله ولو فات حتيش من حسبة أيامٍ يمرك عددها نبي نعلمك المساري على الجيش تمشي ذلولك لين يفتر جهدها خابرك منت بضاري للمطارييش نبيك تونس حلوها من نكدها ليله على مسرى وليله مغابيش وليلة نخلي نومها لمن رقدها وليله على تمره وليله على عيش وليله نوكلك اللحم صيد يدها يا علي لاجيت العرب لاتجي ديش خبل ليا جاب السوالف سردها احفظ لسانك لايجي فيه تبطيش تصبح عيونك كايدات رمدها يجيك من ينشدك نشدة تفاتيش يبي يسنع هرجة يعتمدها خله يقوم مفلت في يده ريش يروح منك وحاجته ما وجدها وقد يكون العيد يوم حزن وبؤس في نظر بعضهم لظروف تمر على الشخص ولأسباب عديدة في الأموال والنفوس والفراق وغيرها، وقد ترجم هذه الحالة عدد من الشعراء فمن ذلك: قول هذا الشاعر: العيد قرّب والحبايب بعيدين والكل ولّم للتهاني رسايل وانا عيوني ولّمَتْ (دمعة) العين ياشين جفّنٍ في ضحى العيد سايل وبوح هذا الشاعر أيضا حيث يتذكر والديه في يوم العيد فلم يتصور فرحة تكتمل بدونهما ويحق له ذلك: ياعيد مالي فرحة فيك ياعيد لو البشر جميعهم عايدوني لو كان سلمت وتصافحت بالإيد واضحك تراي ابخص بحالي وشوني كلٍ نهار العيد مبسوط وسعيد وأنا حزين وكاثرات غبوني غاب الفرح له عدة اعوام تحديد همي نهار العيد تبكي عيوني عيدٍ خلا من شوف هاك الاجاويد ياشين عيد فيه ماشاركوني حتى قال: وياعيد خذ مني كلام المواكيد ياعيد والله كل شيٍ يهوني الا فراق الوالدين آه ياعيد مايحتمل عيّت تشيله متوني وللوالدين أقول وآعيد وآزيد الله يرحمهم مثل ماربوني عساهم الجنه مرار وتراديد ياكثر ما تعبوا علي وعطوني ويا عيد نقّضت الجروح المضاميد حسبي عليك اليوم جددت كوني تناول طعام العيد في الأحياء