بداية نقول للجميع: كل عام وأنتم بخير وعيد سعيد، والعيد مهما كانت الظروف المحيطة يعد فرحة، حيث يأتي العيد تاليا لأيام مباركة أيام رمضان التي عاشها المسلمون في طاعة، وأيام الطاعة ثمرتها تأتي معها حيث بهجة النفوس والسعادة والسرور. نسأله سبحانه أن يتمم علينا السعادة بفرحة العيد وزوال الغمة عن بلاد العرب والمسلمين، ويجمع الشمل الذي فرقته أحداث شتى وصبغت بسواد الأحزان جل أخبارها، وغابت البسمة عن شفاه سكانها، جراء كثرة الجراح وتزايد الطعون في جسد الأمة المنهك، والذي ما أن يقوم ويخطو حتى يجبر على القعود والتراجع. نسأل سبحانه فجرا ينبلج بإشراقة عاجلة وإضاءة عامة، وأن يعم الاستقرار كل المجتمعات، فقد أنهكتنا تلك الجراح المتوالية، ونحل الجسد الذي طال صبره ووقوفه على عتبة الترقب والانتظار يقول الشاعر العراقي مصطفى جمال الدين: يا عيدُ هَلاّ تَذَكرتَ الذي أخَذَتْ منّا الليالي وما من كأسِنا انسَكَبا؟ وهل تَذَكَّرتَ أطفالاً مباهِجُهُم ياعيدُ في صُبْحِكَ الآتي إذا اقتربا هَلاّ تَذَكَّرتَ ليلَ الأَمسِ تملؤُهُ بِشْراً إذا جِئْتَ أينَ البِشْرُ؟ .قد ذَهَبا وتساؤل الشاعر هو تساؤلنا كلنا، نريد سعادة يوم العيد فأين غابت ذكرياتها ومتى تعود الفرحة كما كانت، نبحث في وجه العيد عن تعبيرات الفرح التي كنا نجدها في صبانا وماضي مجتمعاتنا، وما انسكب من كأس الهناء وأخذ كل الفرحة. وإذا لم تبد السعادة والبهجة في العيد فأي يوم يكون أكثر فرحة منه؟! والعيد من عام إلى عام مختلف من حيث العادات فيه والتقاليد، وتظهر الفوارق جلية بين الأمس واليوم كثيرا لاختلاف العديد من الظروف وأهمها الاقتصادية وأيضا الاجتماعية، وهذه المتغيرات صار لها الأثر الكبير في دخول مظاهر تسببت في التقليل كثيرا من الابتهاج بيوم العيد، حتى اختلف عن تلقائيته وبساطته. ولفرحة العيد في الماضي ذكراها حيث الطفولة وبراءتها وترابط المجتمع وقرب النفوس من بعضها، والتضحيات فوق المصالح الشخصية، وتقارب المستوى المعيشي بين الأسر، والحاجة إلى بعضهم، فكانت الفرحة تقتسم بين الجميع كما هو الحال مع الألم أيضا. فمن عاش بالأمس لا يجد مقارنة أو تقاربا بين عيد ذاك الزمان وعيد اليوم في حاضره، والفوارق كبيرة في كل شيء، هي تباينات واختلافات بين فقر وغنى، وترابط وتفرق، وفرحة حقيقية ومصطنعة، وعفوية بسيطة ومظاهر متكلفة. وسر السعادة بعد الطاعة يكمن في التآلف وعدم تكلف الفرحة واستجلابها أو شرائها بمزيد من الانفاق المالي والصرف على المظاهر، فتلك لن ولم تجلب لنا سعادة الأمس، فقد كانت فرحة الصبي في ثوب من قماش الخام الرخيص أو غترة تقص من القماش نفسه وتتم في المنزل خياطة الثوب، إما بالمكينة أو بالأيدي في الغالب، ولا يبدو مظهره جذاباً كما الآن، ولكنه في وقت مضى يعد الأجمل عند الجميع، لأن المهم في نظرهم وفي الواقع أيضا هي الفرحة به، والقليل مع القناعة يسعد والرضا باليسير يحقق الكثير من الراحة والسرور. فمن مظاهر البساطة وقلة ذات اليد ولتعايش مع الوضع بقناعة واقتناع أنه يغسل الثوب ويطوى بعد ثلاثة أيام عيد الفطر، ليكون هو ثوب عيد الأضحى القادم، والمدة الزمنية قريبة لا تتعدى شهرين، ثم بعد عيد الأضحى يحافظ الناس على ثيابهم النظيفة هذه المغسولة وتخصص للمناسبات كالجمعة والولائم والزيارات التي تحتاج إلى مظهر حسن، لأن العائلات في الغالب يعملون في الزراعة وأعمال يدوية لا تحتاج إلى ملابس جديدة، ويسمى الثوب المخصص للجمع والمناسبات والسفر (ثوب الطيّة) أي الثوب المطوي، لأنه محفوظ في شنطة من الحديد أو في مكان نظيف. ويرضي أطفال الأمس كل شيء، حتى الحلاوة الواحدة، أو قبضة اليد من حمص، أو صافرة، أو هدية متواضعة، ولهذا يبادر العديد من الأفراد والأسر إلى إعداد شيء مما يفرح الصغار، وينتظرونهم قبل العيد أو في صباحه، ويسعدهم أن يروا علامات الفرح بادية على وجوه الصغار وهم يغادرون الأبواب بعد أن حصل لهم الاستقبال الحسن والعطية التي يأملونها. على أن فرحة العيد ليست في مظاهرها بل في المجتمع وتفاعل أفراده وتقاربهم مع بعضهم والتآلف، فلا تكتمل الفرحة إلا معهم وبهم، ومن المتعذر على أي منا اكتمال فرحته في عزلة عن غيره. تقول بخيته المرية ( بخوت) وهي شاعرة تجيد صياغة المعاني بأسلوبها العفوي: ياجماعة وإن عزمتوا على أنكم راحلين غمغموني عن مظاهيركم لاشوفها كن في قلبي لهب نار ربعٍ نازلين اشعلوها بالخلا والهبوب تلوفها عيدوا بي في الخلا والفريق معيدين كل عذرا نقشت بالخضاب كفوفها قالت الأبيات بمناسبة بقائها في البر بينما بقية الفريق نزلوا للمدينة لكي يشتروا حوائج العيد ويحضرونه ويفرحون به. ولعل أهم ما يتم التأكيد عليه في يوم العيد ويوصى به هو السلام والتواصل، فبدون ذلك التقارب للنفوس والقلوب لا يكون للعيد معنى، حتى قالوا عن يوم العيد (سلام العيد سلام القاطع) وهو السلام والصلة التي لا يتركها حتى القاطع، الذي عرف عنه طيلة العام أنه لا يسلم على قريب ولا يزور أحدا ومنشغلا في دنياه وغافلا عن مثل هذا الفضل. وفي الغالب تجتمع العائلات في بيت أكبر قريب لهم أو ما نسميه بيت العائلة وتكون الزيارة المميزة في الغالب في مثل هذا البيت الذي هو فيه، ويكون هذا الكبير في سنه كالوالدين أو الأجداد مصدر أنس لهم، وتمثل زيارته والسلام عليه والاجتماع به والسلام عليه، رابطة قوية بينهم، وعند فقده يشعر الجميع بفراغ مكانه، وقد تقل الرابطة فيما بعد مالم تتماسك العائلات من جديد. يقول الشاعر سعود الهاجري واصفا مثل هذه الحالة من فقد فرحة العيد وقد فقد أهم مصدر من مصادر السعادة برؤيته وصلته وفي التفاف واجتماع الأسرة حولها وهي الوالدة حيث توفيت يقول متسائلا بحزن ولوعة: ياعيد وين اللي للأحباب ملفى اللي معاها تكتمل فرحة العيد من عقبها كل الأحاسيس تلفا تغيرت حتى مواريك ياعيد ماعاد به جمعا ولا عاد ولفا وقد يفقد العيد فرحته لأي سبب من الأسباب، إما لفقد عزيز وغال أو ظروف مالية وهموم وديون أو غيرها ولهذا من حق الفرد على المجتمع وحق الأفراد على بعضهم تضامنهم وتحقيق السعادة لبعضهم، من خلال التعاون والتسامح والمواساة. يقول الشاعر فهد المسيكي وهو يعبر عن فقد العيد لفرحته، فقد عاد ولكنه لا يحمل معانيه، ولم ير أن السعادة قد انعكست منه، بل بالعكس يراه يوما يحمل النكد على خلاف ما يتوقع من العيد وأنه يوم له بهجته فيقول: العيد عاد وكنّه العيد ماعاد ولوعادعيدي ماتهنّيت بالعيد الناس تفرح واتهنّا بالأعياد وانا الذي عيده غدا له تناكيد