*مطر.. مطر.. لكن ليس ل «تشرين» نواح.. كما قال نزار قباني.. إنه مطر امتلأ بالأفراح.. الناس في الصحارى.. أي صحارى.. قبل أن يتأكد المطر.. مجرد أن تصطف السحابات حول بعضها ثم تملأ السماء يدخلون نفسياً حالة الابتهاج بفرح ما.. قادم.. لاشيء يثير فرحتهم داخل نفوسهم مثل المطر.. ولا شيء يضايقنا مثل قول بعضنا حين يكون في عاصمة أوروبية إنه لن يخرج ظهر اليوم بسبب رداءة الجو.. حيث توجد أمطار ومن يرون جواً كهذا رديئاً هم من تعودوا أن يفرحوا بالشمس وليس بغيمات شحيحة الانتشار مثلما هو الحال في الصحارى.. قبل عشرة أيام كنت في لبنان مع بعض الزملاء ومن المطار كانت الأرض تغتسل بمياه الأمطار لكن ما إن وصلنا إلى الجبل حتى توقف المطر.. بقي متوقفاً حتى يوم المغادرة الذي امتلأت السماء صباحه بالسحب ومع إيماءات الوداع للزميل راشد الفهد الراشد مدير مكتبنا هناك كانت إيماءات المطر تتساقط على الأرض.. قلت له: ألا تجد أن في الأمر ملاحظة.. صحاريون يصلون فيتوقف المطر وتهرب السحب وعندما يغادرون تعود الغيمات كأجمل قبعات ندية تحجب عن الأرض وهج الشمس الذي مللناه.. فرح الناس بمطرهم.. وكأنهم طوال أشهر النصف الثاني من عام 2004م قد قضوا وقتهم في أداء صلاة استسقاء اقتصادية وقد تم لهم ما أرادوه.. أتت الميزانية.. رائعة جميلة تختال وهي أكثر ترطيباً وإنعاشاً للقلوب من غيمات بيروت.. آلاف من الأيدي العاملة سيجدون مجالات تدريب وعمل في مجالات التقنية.. مثلما قال الدكتور الغفيص.. التعليم أصبح وزارة مالية أخرى حيث سيضخ مبالغ هائلة من أجل تطوير التعليم وتنويعه وتحديثه.. يجب أن يتم هذا أو مع الموازنة الجديدة القادمة لابد من أطقم عمل في الوزارات بما فيها التربية والتعليم قادرة على الصرف فيما هو أجدى وما هو مطلوب وبإلحاح.. وكما قال الدكتور عبدالرحمن التويجري أمين عام المجلس الاقتصادي الأعلى ومثلما قال الدكتور محمد الجاسر نائب محافظ مؤسسة النقد في تصريحات صحفية من أن تعدد مصادر الصرف ب «بلايين» على مختلف قطاعات النمو هو لن يوفر تطوير خدمات مختلف مجالات النمو فقط ولكنه سيعكس آثاراً إيجابية على السيولة المتداولة.. الأسهم.. الاستثمار.. لا أريد أن أقلل من بهجة ابتسامة الفرح فأذكر بأننا قضينا ما يزيد على نصف القرن ونحن نتقي قسوة مناخ الشمس بمظلة البترول.. البترول نعمة.. نعم.. لكن لابد من السعي إلى إيجاد الروافد القادرة على التقليل من مخاطر تراجع سطوته الاقتصادية لو حدث ذلك بعد نصف قرن قادم تقريباً.. نريد أن نؤسس لميلاد ثوابت اقتصادية قادرة على البقاء والتطور والتوغل في أسواق العالم خصوصاً ونحن نعايش ضرورة واقع المنافسة الدولية في سوق عالمية واحدة.. لقد ارتكبنا خطأنا الفادح في طفرة الاقتصاد الأول عندما أضعنا الماء والمال بحثاً عن عملاق أخضر وهمي وإن كان من إيجابيته ميلاد رأسماليات جديدة في المدن الثانوية لكن الخسائر كانت فادحة.. وقد تطوعنا في جريدة «الرياض» بالرد على وزير الزراعة الأمريكي الذي قال اشتروا القمح بأقل من نصف تكلفة إنتاجه ووجهوا الأموال نحو استثمارات أجدى.. أنا شخصياً وبشكل غير موفق قلت له في مقال آنذاك نحن أدرى بشؤوننا.. أثق أننا قد استفدنا من دروس كثيرة وأثق أن الماضي وحاضر الإرهاب كلاهما يحفزاننا - ونحن على استعداد - لكي نفرض على امتدادنا الجغرافي الكبير امتداداً إسلامياً وحضارياً وعلمياً فيه كل مسوغات احترام الآخرين وقبولهم بل ترحيبهم لزمالتنا معهم.. أعني عالم الأغنياء الأقوياء..