لا شك أن هناك مشكلة في رمي الجمرات وهذه المشكلة لها تاريخ طويل مع مواسم الحج، وكلما زاد عدد الحجاج كانت المشكلة أكثر تعقيداً.. ونحن الآن لسنا بصدد من المتسبب في أزمة رمي الجمرات كما أنه ليس هناك مجال لتبادل الاتهامات أو تحميلها سبباً واحداً بعينه مثل أمتعة الحجاج بل هناك أكثر من سبب مثل : زيادة عدد الحجاج، وبعض الفتاوى التي قيدت حركة الحجاج، وضيق المكان ووعي الحجاج، وفوضى شركات الحج، والافتراش. نحن الآن أمام مشكلة تحوّل الحج إلى كوارث وفواجع سنوية لذا لابد من دراسة مشاعر منى دراسة طبيعية طبوغرافية، وفتح المجال أمام المهندسين للتفكير بالحل الهندسي والوصول إلى حلول جذرية لكارثة سنوية ترافقت مع الحجاج منذ العصور الإسلامية الوسطى بل منذ العصر الإسلامي المبكر وربما لو رجعنا إلى تاريخ الدولة الأموية والعباسية الأول لوجدنا إشارات كثيرة لكارثة التدافع في رمي الجمرات.. فكيف هي الحال وقد زاد عدد الحجاج وقارب الثلاثة ملايين حاج هذا العام،والرقم مرشح للزيادة خلال الأعوام القادمة وربما يصل إلى خمسة ملايين حاج سنوياً. وهنا لابد من إعادة سماع وقراءة الآراء والأفكار التي طرحها الشيخ سلمان العودة في حديثه الإذاعي والتلفزيوني لمحطة (mbc) قبل أيام وأيد وبقوة ضرورة الرمي قبل الزوال وذكر أسباباً عدة وهي: أولاً: أن المسلمين يعرضون أنفسهم للقتل والإصابات في الوقت الذي يحرص الدين الإسلامي على المحافظة على الأرواح والممتلكات. ثانياً: إن رمي الجمرات شعائر رمزية تتطلب الاطمئنان أثناء تأديتها .. وفي التدافع وقتل المسلم لأخيه المسلم ما يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي لا تهدف من الأعمال الرمزية إيذاء النفس بالقتل. ثالثاً: تعريض محارم المسلمين من النساء: الأمهات والزوجات والبنات إلى الإيذاء والتحرش الجسدي أثناء التزاحم مما يتعارض مع مقاصد الشريعة. رابعاً: ضرورة إعادة قراءة ما جاء في القرآن قراءة متبصرة ومتأنية وهي ما ذكره الشرع من أن الحج أيامٌ معدودات وليس يوماً واحداً أو يومين. لقد طرح الشيخ سلمان العودة أفكاراً وآراءً جيدة من الضروري مراجعتها فقد تناولتها من الذاكرة ولم أتمكن من تدوينها في حينها لكنها فيما أعتقد هي الأفكار الأربعة الأساسية: عدم قتل النفس، الاطمئنان أثناء تأدية الشعائر، عدم تعريض المحارم للتحرش، وإعادة قراءة ل «أيام معدودات». كما تناول الزميل الأستاذ يوسف أبا الخيل أفكاراً أخرى ترتكز على مقاصد الشريعة أثناء تأدية الشعائر والتي تتعارض مع قتل النفس وإيذاء الآخرين. وأنا هنا أود أن يُدار حوار موسع مع الفقهاء ينتهي بإذن الله إلى ضمان تأدية الشعائر مع المحافظة على أرواح المسلمين ودون إيذاء الجسد وإزهاق الأرواح والاعتداء على الغير. كما يتم دعوة شركات هندسية وخبراء للحوار والتباحث في أمرهندسة منطقة منى وتحديد منطقة رمي الجمرات للوصول إلى أفضل الحلول الهندسية التي تقلل نسبة الحوادث والاحتكاك الشديد، ودعوة خبراء الإدارة والتخطيط للتشاور في كيفية إدارة منى أثناء تجمع الحجيج في مكان واحد. من الضروري التباحث فقهياً وهندسياً وإدارياً وتخطيطياً لإزاحة شبح الموت والقتل عند رمي الجمرات فنحن الآن في مرمى عدسات المحطات الفضائية والشبكات العالمية الإعلامية وأعداد الحجاج السنوية مرشحة للزيادة لذا لابد أن ننتقل إلى مرحلة جديدة من عمل إدارة الحج والتخطيط له والاستعانة ببيوت ومؤسسات الخبرة للاستفادة من خبراتها الهندسية ومشوراتها التخطيطية.