في يوم الخميس، السابع والعشرين من شهر ذي القعدة من عام 1426ه ، سمعت نغمات هاتفي الجوال تنادي بأن مكالمة تنتظرني، فأجبت المتصل، فاذا بأحد اخوتي يخبرني قائلاً: ان أبناء أختي أصيبوا بحادث وأن الكبير سليم، أما الثاني أعطاك عمره، وما هي الا لمحة بصر حاولت أن أسترجع كلمة: «أعطاك عمره» لأفهم معناه، وإذا بالمتصل يبكي حزينا على ما جرى، عندها استوعبت معنى كلمة «أعطاك عمره» ثم أسرعت إلى سيارتي وانطلقت بها إلى محافظة الدرعية حيث تقيم أختي المكلومة. كان مؤيد بن خالد الطليحي فتى مطيعا محبوبا في الصف الأول المتوسط، لم أذكر أن فتى من أقرانه اشتكى منه، ولم أسمع كلمة بذيئة صدرت منه، أذكر اني رأيته ذات مرة في منزل والدي ولم يسلم علي، فوجهت له عتابا لطيفا وقلت له: لماذا لا تسلم؟ فانتبه على الفور وهجم علي وأمسك برأسي ثم قبله بشدة. دخلت منزل العزاء ورأيت زوج اختي والحزن الشديد على وجهه فعزيته ثم أوصلني إلى أختى فرأيتها مغطاة برداء الصلاة تبكي بهدوء لا جزع فيه ويأس. فعزيتها ثم حاولت أن أخفف عنها مأساتها، فقلت لها: قال الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157) (سورة البقرة). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها الا أخلف الله خيرا منها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، وقلت أيضا: من رحمة الله أن أخذ أحد الأبناء وأبقى الآخر، فلله ما أعطى وله ما أخذ، والحمد لله على كل حال، وان الله تعالى يبتلي عباده ليرفع درجاتهم يوم القيامة في العليين. أخبرتني أختي المكلومة في أيام العزاء أن ابنها الفقيد قال لها قبل وفاته بأيام قليلة: ياأماه أريد منك طلبين. قالت: ماهما؟ الأول أن أغيب عن المدرسة في يوم الاربعاء (أي قبل الوفاة بيوم واحد). قالت والدته: والثاني ماهو؟ قال: أن اغتسل وألبس ملابس العيد وأذهب بها إلى بيت جدي، وأرجو أن لا تردي طلبي؟ فقالت: لك ما أردت. اللهم اجعل فقيدنا شفيعا لوالديه يوم القيامة، اللهم اربط على قلبي والديه وثبتهما، اللهم اخلف لهما خيرا منه، إنا لله وإنا إليه راجعون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.