في إعلان مفاجئ وبوقت بالغ الحساسية طلب الرئيس الروسي بوتن من حكومته وشركة غاز بروم الاحتكارية الكبرى تأمين احتياجات أوكرانيا من الغاز الروسي حتى نهاية الفصل الأول من العام الحالي. جاء ذلك قبل ساعات فقط من انتهاء المهلة التي حددتها موسكو لقطع الغاز عن أوكرانيا ما لم توقع الاتفاقات الجديدة وفق أسعار السوق. المثير في هذا الإعلان أن الرئيس بوتن أعطى توجيهاته بضخ الغاز إلى أوكرانيا بنفس الأسعار السابقة أي بواقع خمسين دولاراً لكل ألف متر مكعب في حين تطالب غاز بروم بمائتين وعشرين دولارا عن الألف متر مكعب كما أن أوكرانيا كانت قد اقترحت من حيث المبدأ 80 - 85 دولارا لكن توجيهات بوتن تحمل في الواقع تحديدا بالغ الأهمية فاستمرار ضخ الغاز الروسي بسعر العام الفائت المخفض يعني عدم قبول موسكو باقتراح الثمانين دولاراً وإصرارها على أسعار السوق الذي حددته غازبروم بالرقم المذكور أعلاه منذ بداية الفصل القادم ذاك أن مقترح الرئيس بوتن مشروط بتوقيع أوكرانيا العقود الجديدة قبل نهاية اليوم الذي جاء فيه الإعلان أي قبل ساعات فقط من بدء العام الجديد . ومما له دلالته في هذا السياق أن هذه الإعلانات جاءت إبان اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي دعي له رئيس غاز بروم ميلر ومن جديد حاول الرئيس الروسي رمي الكرة في ملعب الرئيس الأوكراني بقوة حيث وجه انتقادا ضمنيا لرئيس الحكومة فرادكوف ولرئيس غاز بروم ميلر بعد سماعه للتقرير المعد حول أزمة الغاز واصفا موقفهما بأنه بالغ التشدد والقسوة تجاه أوكرانيا مضيفا بأن أوكرانيا ليست قيادة مجردة وليس فيها بارونات نفط يسعون فقط لتأمين مصالحهم بل هي بلد شقيق وشعب قبل كل شيء وعلى روسيا أن تفكر بمجمل علاقاتها مع أوكرانيا لكن الرئيس الروسي لم ينس التنويه بأن عدم صدور موقف واضح من أوكرانيا خلال الوقت المتبقي سيفسر رفضا للمقترح الروسي نذكر هنا بأن الرئيس الروسي اقترح قبل أيام تقديم قرض لكييف بواقع ثلاثة مليارات وسبعمائة مليون دولار لتغطي النفقات لشراء الغاز بالأسعار الجديدة وقد رفض يوشينكو ذاك الاقتراح . في غضون ذلك أعلنت قيادة غاز بروم أنها ستكون في مواقع العمل مشددة على أن ما تبقى هو ساعات قلائل وإمعانا في عدم ترك المجال لكييف بالتعلل بالعامل التقني الزمني أوضحت أنها تدرك أن الوفد الأوكراني ليس موجودا في موسكو لكن طائرة معدة لهذا الغرض مستعدة للإقلاع في أي وقت لدى تلقي إشارة من القيادة الأوكرانية. المعطيات التي جاءت بعد ذلك ظلت ملفعة بالغموض حيث أشارت مصادر الرئاسة الأوكرانية أن يوشينكو رحب بمبادرة الرئيس الروسي من حيث المبدأ معتبرا أن الحوار بشأن أزمة الغاز دخل في مرحلة جديدة إيجابية مركزا على ضرورة الجلوس إلى مائدة المفاوضات للخروج بتصور موحد بشأن الأسعار ومعبرا عن أمله في تعميق العلاقات بين البلدين في العام الجديد وكل ذلك لا يعدو عن كونه عبارات عامة دبلوماسية تتجاهل عمليا ما جاء في المقترح الروسي الجديد حول ضرورة توقيع العقود الجديدة قبل نهاية عام 2005 ولا يستثنى أن تصل الأمور بالفعل إلى تصاعد الأزمة والانحدار من سيئ إلى أسوأ في العلاقة بين البلدين وربما تقدم روسيا بالفعل على قطع إمدادات الغاز حتى أن بعض المعطيات تشير إلى أن غاز بروم بدأت بخفض الضغط عن الأنابيب التي تغذي الشبكة الأوكرانية استعداداً لقطعها حسب تطور الأحداث حتى نهاية اليوم الأول من العام. والاحتمال الآخر هو أن تمرر موسكو هذه المعضلة بعد أن تستفيد منها حتى الحد الأقصى لدعم موقف المعارضة الأوكرانية وهي تشمر عن سواعدها خوض الانتخابات البرلمانية حتى أن بعض التقديرات تشير إلى ارتفاع شعبية ينكوفيتش إلى 22٪ وهبوط شعبية يوشينكو حتى 16٪ والانتخابات باتت تقرع الأبواب وستكون ربيعا شديدة الحرارة إن مر الشتاء قارسا على أوكرانيا دون الغاز الروسي.