استعرض الأستاذ أنيس منصور في جريدة الأهرام الأسبوع الماضي عودة الإخوان المسلمين إلى الضوء السياسي بعد تقدم تمثيلهم في مجلس الشعب بعبارات حملت مضمون الترحيب من ناحية ومضمون التبرير غير المباشر بأن ما تعرضوا له من سجون وتعذيب وتغريب كان لابد أن يؤدي إلى ردود فعل غير مقبولة.. هل عودة الإخوان المسلمين في مصر هي الظاهرة الوحيدة الملحوظة..؟.. في فلسطين الحضور الإسلامي هو الأعلى صوتاً بين أصوات المقاومة.. في سوريا هناك «إخوان» داخل الأسوار أو خارج الحدود.. في الجزائر كان هناك اصطدامات مريرة.. في السودان تغلفت حركة الإنقاذ برداء إسلامي ثم حسرته لكنه لن يقع على الأرض.. هل يجوز في المملكة أن نقول عن أعمال العنف والإرهاب بأنها حضور إسلامي..؟.. بالطبع لا.. لأنه لا توجد ممارسات مرفوضة إسلامياً في سلوكيات المجتمع هنا.. بل إن الإرهاب المحسوب على الهوية الإسلامية في المملكة قد أساء إلى الإسلام بصفة عامة وإلى التكتلات الإسلامية في دول أخرى.. أجزم أن من حقي كمسلم رفض أن يوجد في بلدي على حائط عريض إعلان ملون لامرأة نصف عارية عن فيلم على وشك العرض.. أن أرفض ترويض الشباب والشابات كي يكون تعريف الحرية لصيقاً بابتذال الممارسات كما في برامج معظم الفضائيات.. أن تكون الفندقة أو الشواطئ مواقع لعروض أزياء مختلطة الحضور وأن يذهب التدني ببعضها إلى حد منافسات ما هو «المايوه الأجمل» وتكون غالبية المتفرجين من الرجال.. نحن نعرف ولا يستطيع أحد أن يخدعنا ما هو مآل ملكات الجمال في منافسات دول العالم.. وما هي الدرجة الأولى التي تصعدها نحو الشهرة ممثلة شابة في أدوار الإغراء.. جميع هذه السيئات ليست موجودة عندنا ولكي نتحصن ضدها يجب أن يكون مفهوماً بأنه ليس يوجد لدينا من يطالب بها.. ولكن هناك الكثير ممن يطالب بتوفير الفهم الواعي والناضج للإسلام.. كل طرف يجب أن يلتقي بالآخر بدافع المسؤولية المشتركة لتطوير مجتمع إسلامي لا يحارب حضارة العصر أو يخافها لكنه قادر على توفير المناعة ضد ابتذالاتها.. بعض الجماعات الإسلامية في دول أخرى كان هناك ما يستفزها من استباحات ترفضها الكرامة البشرية مثلما يرفضها الإسلام فلا يجب أن تكون هناك مقارنة.. لعل كثيرين لا يدركون بأن التنوير الاجتماعي والثقافي قاده فكر إسلامي طرحه طه حسين وعلي عبدالرزاق وعبدالله القصيمي وغيرهم.. والقصيمي فعل ذلك في كتاب واحد هو «هذه هي الأغلال» حيث في ذلك الكتاب حذر القصيمي من عزلة الانغلاق ودعا المسلم إلى الاستفادة من العلم ومناهج الحياة دون الانكفاء في عتمة الانغلاق.. وبعد ذلك توالت كتبه التي لم أتقبل أفكارها.. أيضاً أريد أن أتعرض لخاصية بالغة الأهمية في هذا الموضوع وهي الحذر من الخلط بين فكر إسلامي يسعى إلى تنظيف المجتمعات المحلية من إسقاطات مجتمعات مادية أخرى.. لكن ذلك لن يكون إلا بوجود اعتزاز بكفاءة القدرة الحضارية المحلية إسلامياً وعلمياً وتقنياً.. وبين جماعات ليس لها فكر ولا منهجية موضوعية لكن بحكم خوفها بل عدم فهمها للجديد الحضاري فهي تحاربه.. هذه الجماعات هي القابلة لاستخراج هوية العنف خصوصاً وأن من يمارسه ليس ببعيد عن فكرها..