ليلة السبت الماضي.. كانت باردة جداً.. أو هكذا أحسستها! تركت كمبيوتري المحمول الذي كنت أكتب فيه وأمسكت "بالريموت كونترول".. أخذت أقلب بين القنوات كفاصل منشط. كانت أصداء كارثة "تسونامي" متجلية في تغطية بعض القنوات في فتراتها الإخبارية.. أخبار الموت والزلازل والتشرد .. أخبار الأجساد الطافية المتعفنة التي تنبئ عن كارثة أكبر مما يتخيلها عقل! ولم تكن بلادنا الآمنة بعيدة عن الحزن والألم.. ففي تلك الليلة كان هناك مكلومون يدارون جراحهم بموت أعزاء لهم في حادثين آثمين وقعا في رياضنا الحبيبة قبل ليلتين من هذه الليلة.. والبعض الآخر يستقبل السنة الوافدة على أسرّة المستشفيات بين الألم والآه وآثار الصدمة! أنهار الدم في فلسطين والعراق بقيت مسفوحة ليلتها.. لم تتوقف أو تأخذ إجازة - ولو ساعة - للاحتفاء! على الطرف الآخر من العالم الإنساني.. كانت هناك أنهار من نوع آخر! أنهار الأنغام والطرب سالت بسخاء.. مطربون ومطربات وراقصون وراقصات.. كان سوق النخاسة الفني مجنوناً وهو يعلن باستماتة عن بضائعه العارية المتروسة خلف ثياب تفنن مصمموها في جعلها "بلا قماش"!.. فبدت الأجساد البضة المحشوة بالسيلكون كقنابل نووية توشك أن تنفجر! حتى عيال "ستار أكاديمي" أبوا إلا أن يلتحقوا بأكاديميتهم تلك الليلة بالذات! ثم انسكبت أنهار التنبؤات العربية والعالمية وتوقعات الأبراج في العام الجديد.. نساء ورجال.. يتبارون بأكاذيبهم وينمقون عباراتهم لتغدوا أفضل من غيرهم وأقرب إلى الحقيقة والصدق واليقين! توقعوا اغتيال فلان وموت الزعيم علان واختلال صحة زيد وتدهور عبيد! وتأتي أنهار المال المهدور في زينات البيوت والشوارع والأشجار والألعاب النارية والمهرجانات المتنقلة والثابتة.. وذلك الجنون والمجون المرافق لدقات الساعة الإثنتي عشرة.. تشعر وكأن الدنيا غير الدنيا.. فلا مجاعات ولا تشرد ولا موت ولا احتلال.. ولا نكبات في العالم! وتستغرب فعلاً ذلك النقيض حين تعلم أن - مع تلك الدقات الإثنتي عشرة - ثمة بلدة في البرازيل اسمها "باريبادو سول" أطلقت الألعاب النارية إحياء لذكرى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأزاحت الستار عن تمثال برونزي بحجمه الطبيعي، وعن خريطة وعلم فلسطيني مصنوعين من الرخام، وقالوا إن ذلك "تأكيداً لتضامنهم مع القضية الفلسطينية، آملين أن يشجع النصب الناس على مناقشة قضية الشرق الأوسط التي هي سبب كل أعمال العنف والمشاكل في العالم"! أغلقت الشاشة.. شعرت أن قلبي ليلتها كان حزيناً.. وحيداً.