استسمحكم العذر فهذا العنوان يبدو - ظاهريّا - وكأن لا رابط بين كلماته، فالانترنت عالم نراه ولا نراه، والحوار الوطني مركزٌ وفكرة، وجائزة الملك فيصل تتويج عالمي ومكافأة. وحيث سأرجئ الحديث عن الانترنت قليلا، فلا بأس من أن اطرق بوّابة التمنّي على من يرشحون لفروع «جائزة الملك فيصل العالمية» (أو أية جائزة كبرى مماثلة) مقترحا عليهم دراسة فكرة ترشيح «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني» لإحدى الجوائز العالمية تثمينا لدوره الحضاري في خدمة المجتمع، وتعزيز فضيلة الحوار، وتدعيم الوحدة الوطنية في هذا الزمن العاصف. ويأتي اقتراح تثمين دور المركز (قناعةً) تعزّزها العديد من الأسانيد والدلائل الواضحة التي عرف أهميتها ومؤشراتها كل من شارك في مناشط المركز، بل وشاهدنا بعض ثمارها ونحن نتبع ونتأمل ما يجري في أروقة وردهات مضافات المشاركين في اللقاءات الخمس الكبرى التي نظمها المركز. من جهة أخرى - ومع كل هذا التقدير لريادة وأهمية دور المركز - فقد تمنّيت (وما زلت) أتمنى على «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني» بعد كل هذه النجاحات التي تحققت » أن يعيد النظر - اليوم - في أهدافه وخططه ودوره في الحوار الوطني. على سبيل المثال هل حان الوقت لأن يبدأ المركز - بشكل تدريجي - في أخذ دور المشرف لا «المدير»، والمشجّع «لا المبتكر» لمبادرات الحوار في قضايانا الفكرية. تمنّيت (وما زلت) أتمنى على المركز أن ينتقل في هذه المرحلة من دور «الموجّه» إلى دور «المساعد» في تفعيل برامج ومناشط مجتمعية ذاتية تخدم قضايا الحوار الوطني تعم كل المدن والقرى ضمن استراتيجية وطنيّة مكتوبة تُحدد من خلالها أسس ومرتكزات قضايا الوحدة الوطنية بعيدا عن الاجتهادات والرؤى الآنيّة الضيّقة. ومن أسباب هذا التمني أيضا حقيقة أن «الحوار» هو في جوهره «ثقافة» تحتاج إلى تعزيز ودعم، (لا) «مؤسسة» رسمية تتجاذبها البيروقراطية فإن سَلِمَتْ من تضخّم كياناتها الإداريّة، فلن تصمد طويلا حتى تنجذب قسرا في ممارساتها إلى الأطر الرسمية بكل ما فيها من قيود، وبطء حركة. وهذا لا يعني انتهاء أو إنهاء المهمّة النبيلة التي يضطلع بها المركز بل هو في الواقع إيذان ببدء مرحلة جديدة أراها الأشمل والأعمق والأجدى خاصة وأن المركز قد حقق في مرحلته الأولى الاختراق الأهم لثقافتنا ومؤسساتنا الرسميّة والاجتماعيّة بجعله كلمة «الحوار الوطني» خيارا (رشيدا) وأولا أمامنا حين نتباحث أو يهم بعضنا بالعبث في إشكاليات علاقاتنا مع أنفسنا وغيرنا. ومن أسباب هذه الدعوة والأمنية أيضا حسابات التكلفة والعائد... خاصة مع ارتفاع نسبة الشباب بين السكان ووجود وسائل الاتصال الحديثة، ودخول خدمات شبكة الانترنت إلى حياتنا وحضورها القوي في معظم شؤوننا الدقيقة والجليلة. من هنا فانه ومهما أوتي المركز من إمكانيات وصلاحيات فسيظل يواجه - كمؤسسة رسمية - جملة من التحديات الاتصالية والثقافية، التي لن تشغل - على سبيل المثال - معد برنامج حواري مثير عبر فضائية قد لا تتجاوز تكلفة إنشائها نصف قيمة تذاكر سفر المشاركين في مؤتمر أو ندوة، كما أن معظم هذه التحديات لم ولن يسمع بها جماهير منتديات ومواقع الانترنت الحوارية التي ثبت أنها ستظل أرحب صدرا، وأكبر مساحة، وأكثر جذبا للجماهير، من محافل حوارية رسمية لا يحضرها إلا المدعوون. وفي موضوع الانترنت والحوار الوطني - تحديدا - يمكن وبلا مبالغة إثبات أن الحوار الحر في القضايا الوطنية قد بدأ الكترونيا دون استثناء لقضية، أو إقصاء لشريحة من شرائح السكان في داخل المملكة. فمنذ أن عرفنا الانترنت العربية ونحن نتابع على صفحاتها وعبر منتدياتها لقاءات حوار وطني تتدفق حيوية وصخبا. والأهم أن هذه الحوارات الالكترونية تتساوى فيها القامات فلا يصدها «اسم» أو تستأثر بها «صفة» فالكل يقول ما يريد ويحاور من يشاء. على شبكة الانترنت تطرح - صبح مساء - قضايا وهموم لن تتحمل وهجها صدور بعض «النخب» التي يزعم الشباب أنها تصدرت واحتكرت قضايا ومجالس الحوار باسمهم ونيابة عنهم بلا تفويض؟ ٭٭٭ مسارات ٭٭٭ قال ومضى: أرجوك لا تحدثني عن فضيلة الصمت فقد تحولت (ضمائر) الصامتين (اليوم) إلى (مقابر جماعية) للحقيقة. fayez @alriyadh.com