أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الخميس (23/12/2005م) عن وفاة مجلتها الدعائية باللغة العربية، والتي تحمل اسماً انجليزياً «هاي». فقد أرادت هذه الوزارة، من خلال مجلتها هذه، وبعض وسائل الإعلام الأخرى، على غرار قناة التلفزيون «الحرة»، وإذاعة «سوا» اجتذاب الشباب والشابات العرب، ومن ثم اختراق عقولهم بهدف تحسين صورة الولاياتالمتحدة. وربما كان الهدف أيضاً محاولة لإبعاد الشباب عن المحور السياسي العربي والقومي، ومن ثم إقناعهم بوجهة النظر التي تهدف إليها هذه الوسائل الإعلامية المسيّسة. وقد انتقد أصدقاء أمريكا في المنطقة، وبعض الأمريكيين الخبراء في مسيرة المشرق العربي، هذا النوع من الإعلام الموجه شارحين في أكثر من مناسبة، ان عملية غسل دماغ الشباب العربي بمثل هذه الوسائل الهزيلة سيكون لها ردود فعل سلبية. فقد تبين من أكثر من دراسة، واستطلاع للرأي العام العربي، أن جميع وسائل الإعلام التي تبنتها الإدارة الأمريكية، قد فشلت في اجتذاب شريحة كبيرة من الجماهير العربية. وحتى محاولة دفع بعض الصحفيين العرب الذين يعملون في واشنطن ونيويورك مع بعض وسائل الإعلام العربية في العالم العربي، والذين يتبنون وجهة نظر الإدارة الأمريكية، ويقومون بالدفاع عنها في وسائل الإعلام العربية، فشلت أيضاً في اختراق الحاجز النفسي لدى الجمهور العربي، وإقناعه بوجهة نظرها هذه. وكل متابع لوسائل الإعلام العربية، خصوصاً المرئية والمكتوبة، يستطيع أن يميز هذه المدرسة الفكرية، والتي، حسب ما يقول بعض المطلعين على دراسات خصصت لهذا الموضوع، أن هذه المدرسة فشلت فشلاً ذريعاً في رسالتها، حيث يعتبر الكثيرون من أبناء الشعب العربي بأن أصحاب هذه المدرسة «مدسوسون» بشكل متعمد ولأهداف محددة، بعد أن مروا بمرحلة غسل دماغ. وتبين أن الشباب العربي الذي تعجبه الموسيقى الغربية والأغاني التي تبثها على سبيل المثال إذاعة «سوا» لا يستمعون إلى نشرة الأخبار التي تبثها «إذاعة الدعاية الأمريكية» حسب ما وصفها لي أحد الذين يستمعون لهذه الإذاعة أثناء زيارتي لإحدى الدول العربية. كذلك الوضع بالنسبة لقناة «الحرة»، ومهمتها الأولى طبعاً، إظهار «الوجه الإيجابي للسياسة الخارجية الأمريكية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط». كل هذه المحاولات قد فشلت، ليس بسبب عدم كفاءة،أو عدم وجود ميزانية، أو عدم جودة الإنتاج، بل العكس هو الصحيح.. فقد استطاعت وسائل الإعلام هذه جلب عدد لا بأس به من الإعلاميين العرب القديرين، وخصصت لهم أموالاً طائلة، حيث تصل ميزانياتها إلى عشرات الملايين من الدولارات. السبب في ذلك يعود إلى فشل المستشارين لهذه الإدارة في فهم حقيقة الواقع العربي، وحقيقة التفكير العربي، وحقيقة الشعور العربي.. كما تبين أن المستشارين العرب الذين اختارتهم هذه الإدارة من سياسيين وإعلاميين، لعبوا على وتر المصالح الشخصية. وقد ظهر ذلك واضحاً بعد أن فشل العدوان الأمريكي على العراق من السيطرة على عقل الشعب العراقي، وإقناعه بوجهة نظر العملاء الذين دستهم إدارة بوش داخل هذا الشعب. وقد وصل الحد بأن يقوم الجيش الأمريكي بدفع أموال لصحفيين ووسائل إعلام عراقية، كي ينشروا وجهة نظر هذه الإدارة، خصوصاً فيما يتعلق بما يسمونه ب «الديمقراطية»، وأن دل ذلك على شيء فإنه يدل على إفلاس فكري كامل. وزاد الاقتناع، على ما يبدو، في أعقاب الجولة التي قامت بها مبعوثة الرئيس الأمريكي، كيرن هيوز، إلى منطقة الشرق الأوسط، في محاولة من إدارة بوش، تحسين صورتها لدى الرأي العام العربي والإسلامي. فقد واجهت السيدة هيوز عاصفة من الانتقادات في كل دولة وصلت إليها من المملكة العربية السعودية، إلى مصر إلى تركيا.. ووجدت السيدة هيوز ان شخصية أمريكا في الحضيض،وأن كل وسائل الإعلام الأمريكية الموجهة لم تثمر.. وهذا على ما يبدو، ما وضعته في تقريرها إلى رئيسها بوش. إن خطب «استراتيجية الانتصار» التي ألقاها الرئيس بوش لإقناع الشعب الأمريكي بوجهة نظره، فشلت في ذلك لنفس الأسباب التي فشلت فيها السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفشلت فيها وسائل دعايتها الناطقة بالعربية. إن الشعب العربي حساس جداً لما يحدث على الأرض، وهو يقارن بين الحقائق على الأرض، وبين ما تبثه أجهزة الدعاية، والعاملون فيها، ويقارن بين مصداقية هذه الدعاية وبين الحقائق الظاهرة له.. وهو حساس أيضاً لمحاولة بعض الصحافيين والكتاب العرب الذين يتبنون هذه الأفكار.. ولهذا فشلت «هاي» وستفشل «الحرة» و«سوا»، والبرامج التي يقدمها «أبطال بوش» في وسائل الإعلام العربية. إن المقياس بالنسبة للشارع العربي هو: القضية الفلسطينية، والموقف الأمريكي من إسرائيل، والتصرفات الهمجية للمحتلين الصهاينة، والذين يعتمدون كلياً على الدعم الأمريكي. كذلك التصرفات الهمجية للاحتلال الأمريكي للعراق، ومحاولة إقناع العالم بأن هذا الاحتلال يبني «ديمقراطية مثالية» والتي يريد تطبيقها على العالم العربي والإسلامي. إن «استراتيجية الانتصار» البوشية، يجب أن تكون مبنية على أساس العدالة للمظلوم، لا الدعم للظالمم، وعلى أساس حرية الشعوب، لا قتلها واحتلال بلادها، وسرقة ثرواتها.. وعلى أساس إقناع الشعوب عن طريق ما يحدث على الأرض، لا عن طريق غسل دماغ فاشل وعن طريق إعلام فاشل، وشراء صحفيين مكتوب عليهم الفشل.