عندما قرأت كتاب مايكل مور (رجال بيض أغبياء)، لا أعرف تماماً ما الذي شدني لإعادة قراءة هذا الكتاب ثلاث مرات!! ربما بسبب الابتسامة الساحرة أو الساخرة للمؤلف على غلاف الكتاب، وربما لجاذبية صورة جائزة الأوسكار التي يحملها بيده، أوقد يكون السبب إشارة علامة النصر التي يرفعها بيديه.. الشيء المهم أنها ليست الأفكار التي بالكتاب حتى لا اتهم بالتمرد الفكري. دعونا من هذا الكتاب والذي يحمل عجائب أشبه بالخرافات لم أجد مثيلاً لها إلا في بعض المواقع لدينا.. في وزارة التربية والتعليم شيء منها.. ولأكون منصفاً دعونا نستقرىء هذه (الخرافات) وبعدها نمارس التفكير الصامت. الخرافة الأولى: عندما منحت الدولة نصيب الأسد من كعكة الميزانية لوزارتنا الحبيبة كان هذا يعكس التفكير الحضاري الذي يحمله قادة هذا البلد المنطلق من إيمانهم بأن التعليم هو الأساس وهو رهاننا الأكبر لتحقيق قفزات تربوية يعقبها تطور فكري يجعل استثمارنا في البشر استثماراً ناجحاً، لكن الحاصل هو العكس، أموال تصرف ومخرجات تعليمية مازالت تعاني الوهن والضعف.. رغم الاجتهادات.. ولا ألومهم فقضية التخطيط والتطبيق والاجتهاد شيء.. والفكر الذي يحدث النقلات والتغييرات الواضحة شيء آخر.. وهو الفكر نفسه الذي شكل حجر الزاوية في كثير من الأحداث التاريخية.. وهاهي الفرصة تتكرر وتمنح الوزارة قطعة أكبر من الكعكة.. فكيف ستتصرف وزارتنا الحبيبة فالكرة في ملعبها الآن. الخرافة الثانية: (المبنى المدرسي)..!! ما عليك سوى توجيه هذا السؤال إلى طالب في مدارس حي النظيم أو العريجا أو السويدي أو المصيف أو الروضة وربما شرورة والمندق والخرخير والبدائع.. ما هي مشكلة التعليم الرئيسة لدينا سيجيبك مباشرة أنه: (المبنى المدرسي).. أعد توجيه السؤال نفسه للمعلم للمدير للمواطن سيجيب نفس الإجابة، الوحيدون الذي سيشذون عن ذلك هم مجموعة أشخاص قابعون في وزارة التربية والتعليم.. سيرددون بأننا فعلنا وعملنا وقفزنا (لاعلاقة له بقفز الزانة)، بينما مازالوا يتجاهلون أن نسبة المباني المستأجرة لدى الوزارة تتجاوز 50٪ (خمسين)!! نعم يوجد صفر بجانب الخمسة وليس خطأ مطبعياً، كما يتجاهلون أن مركزاً كمركز الإشراف التربوي بالروضة فيه قرابة المائة والتسعين مدرسة أكثر من 75٪ منها مبان مستأجرة.. فقط أريدكم أن تستعيروا آلة حاسبة من ابنكم الصغير الذي يدرس في مبنى مستأجر أومدرسة أهلية واحسبوا كم الهدر المالي الذي يصرف من ميزانية التعليم على هذه المباني فقط أريد شخصاً عبقرياً يفسر لي كيف أن مبنى معداً لسكن عائلة من ستة أفراد يدرس به أو يقطنه ستمائه فرد!!!.. ولا عزاء للمطابخ. الخرافة الثالثة: (حسبة بورما)...!! أنا لست مهندس مبان ولست مساحاً بالبلدية أو مقاولاً لكنني مواطن يفقه.. وسأحاول أن أقدم لكم حسبة بسيطة جداً.. حي النظيم يوجد به (26) مدرسة عدد المباني الحكومية (5مبان) (أمر يدعو للدهشة.. أليس كذلك؟؟.. معظم المباني تتكون من فلتين وحوش (نعم حوش) وليس فناء مدرسياً متوسط الإيجار (200,00) نعم، مائتا ألف ريال!! ونضربها (عفواً نسيت أن الضرب ممنوع في وزارتنا الحبيبة).. فلنعتبره ضرباً تربوياً.. نضربها لنحصل على رقم خرافي كالتالي: (200,000* 21= 4,200,000) أربعة ملايين ومئتا الف ريال!! لا بأس بشيء إضافي من الدهشة!. سأعطيكم حسبة بسيطة جداً.. قيمة الأرض في حي النظيم خمسمائة متر (مائة الف) تقريباً ثلاث قطع (1500متر) بمائة وخمسين ألفا، لكي ابني مدرسة معقولة لا قصوراً مشيدة ستكزن كلفة المتر (700ريال) خمسة عشر فصلاً كمتوسط مساحة 40متراً ستكون مساحتها 15* 40 = 600متر أضف لها كل ما تريد من تكلفة أسوار وتجهيزات وغيرها دعها تبلغ 800 متر سيكون الحاصل (560,000) خمسمائة وستين ألفا أضف إليها (150,000) قيمة الأرض الناتج هو 800,000 ثمانمائة ألف ريال.. أضف إليها مائتي ألف ريال هدية مني حتى لا يغضب خبراء التصميم في وزارة التربية النتيجة هي مليون إذاً سنوياً سأبني 4,2مدارس بالأربعة ملايين والمئتي ألف وخلال خمس سنوات لن يتبقى مبنى مدرسي واحد مستأجر، أعرف أنها حسبة بدائية والسادة الخبراء سينعتونها بالجاهلة (لكنها وطنية يا سادة) وتؤمن بأن الوطن يحتاج إلى الإخلاص والعقول لا للسيطرة والتوجيه. الخرافة الرابعة: (الفشل الناجح)... حدثني زميل مشرف قائلاً: في عام 1418ه زرت معلماً من أسوأ المعلمين الذي جابهتهم في عملي الإشرافي يتأخر يغيب يهمل سيىء الطباع أثره على الطلاب سيىء جداً وله صفات أخرى (أترفع بالقارىء عن ذكرها)، لا تفاجأ في عام 1425ه بعد التنقل بين مناصب مختلفة أن المعلم لا يزال يمارس العمل التدريسي ولديه قضية عند اللجنة التربوية ولديه ملف ينوء بحمله عصبة من الرجال (مساء الخير يا لجنة) وما زال المعلم قائماً بعمله بسوئه السابق وعلى المتضرر (الطالب المسكين) اللجوء إلى الله وبث شكواه له، هل من المنطق أن وزارة التربية أصبحت عاجزة إلى الدرجة التي جعلها تجبن عن اتخاذ قرار بمثل هذا المعلم وأمثاله الكثير ممن أساءوا للتعليم وجعلونا نتراجع خطوات إلى الوراء.. فلا تستغربوا إن خرج من تحت يدي هذا المعلم شاذون ومنحرفون وإرهابيون وحانقون، وسلم لي على النقل التأديبي القائم على التمييز العنصري الواضح ليس للمنقول.. بل للمنقول إليه. الخرافة الخامسة: (المنهج والنمو الإدراكي).. يأتي الطفل الصغير إلى مدارسنا وهو مفعم بالحيوية والنشاط والرغبة بالتعلم والانطلاق، فيفاجأ بكل أنواع الكبت والضغط والعنف والتوبيخ توجه ضده في المدرسة، فيضطر الطالب إلى النكوس والتقوقع والاستسلام وتسليم عقله إلى من قد لا يراعي الأمانة ولا يخاف الله فيتقيأ (أعزكم الله) به ما يشاء من السلوكيات والتوجيهات البائسة وبعد ذلك نتباكى (لماذا لم تنجح المدرسة بالمفهوم الشامل بخلق المواطن الصالح.. كيف تحول طلابنا إلى حالات من الشذوذ الفكري؟).. يا سادة يا كرام قد أسلمتم مناهجنا وأقصد بالمنهج كل ما له علاقة بالمدرسة من كتاب ومقرر وأساليب تقويم ووسائل وخبرات .. الخ إلى من لا يملكون سوى شيء من أبجديات التعامل معها.. أسلمتم من يحتاج إلى محترفين وخبراء لأشخاص لا يملكون سوى الحد الأدنى من الرؤية التربوية فماذا تتوقعون أن تكون المحصلة النهائية؟ الخرافة السادسة: (من يعلق الجرس).. مشاريع تلك الوزارة ذات فرقعات إعلامية وبأسماء غريبة وتجارب مستنسخة وكأننا قد حققنا الحد الأدنى من الأداء وجهزنا مدارسنا بتجهيز كامل وأصبحنا نملك مدارس نموذجاً فلا بد من البحث عن تجارب رائدة.. فهدر عليها ملايين الريالات من أجل (ماذا؟؟) لن أجيب في فمي ماء. لا تستغرب عزيزي القارىء حين أقول لك إن رواتب العاملين في أحد مشاريع الوزارة (فقط الرواتب) دون بقية الميزانية لمدة عشر سنوات كفيلة بحل مشكلة المبنى المدرسي لدينا!! وتحويل كافة مبانينا إلى مبان صالحة لممارسة العمل التدريسي.. وأقف هنا لا أحتاج إلى الإكمال فأكمل بما شئت عزيزي القارىء (سأراهن على حصافتك). الخرافة السابعة: (من يدق الجرس).. دائماً ما نقول من يعلق الجرس.. لماذا لا نغير ونحاول أن نجد من يدق الجرس!! وأقصد به الجرس المدرسي.. إذا كنت ما زلت تحمل الآلة الحاسبة التي استلفتها من أبنك الصغير.. ضعها جانباً وأحمل معي ورقة وقلماً واكتب معي واستعد كالعادة (لمفاجأة أخرى).. مدرسة فيها (800 طالب) في مبنى مستأجر متهالك ليس لديهم ساحة، ليس لديهم دورات مياه صحية، التدريس في المطبخ، ليس لديه معلم مؤهل بشكل جيد، المدير هو مدير الحاجة لم نجد غيره، يوجد وكيل واحد أو بدون، لا يوجد مرشد طلابي، لا يوجد مراقب، لا يوجد حارس، لا يوجد مراسل، لا يوجد كاتب، نصف المعلمين يكملون في مدرسة أخرى ونصفهم (24حصة)، نقص في المعلمين، معلمون مستهترون ومتغيبون، الطلاب يمارسون الرياضة بثيابهم ومعلم الرياضة لديه قضية في اللجنة التربوية منذ عشر سنوات وما زالت تتضخم وهو يستمتع بشرب الشاي ثم الذهاب إلى أعماله الخاصة.. وبعد كل ذلك يقولون نريد مفكراً نريد طبيباً مهندساً نريد عالم ذرة نريد قائداً نريد طالباً مبدعاً..!!! من أين يا هذا؟؟ عذراً لا أملك أكثر من مواطن عاطل فاشل أقدمه لكم. الخرافة الثامنة: (الإبداع).. تدرون بماذا ينعتون المعلم الحريص المبدع النشيط في بعض المدارس ينعتونه بالعامية (بالصحيّح) أي المسكين المغفل.. هكذا ينعته الفاشلون، بينما هؤلاء الفاشلون هم من يحمل مشاعل المعرفة!! فمناخنا المدرسي أصبح يدعو للكسل يتعازمون عليه ويتبارون فيه، والإبداع أصبح مغيباً إلا من رحم ربي، أصبح معظم المعلمين يعملون بالحد أو أقل قليلاً، ومن أمن العقوبة أساء الأدب بل كيف نطالبهم بالإبداع وهو يحمل على عاتقه تدريس عشرة مقررات أو يزيد ويتنقل ما بين غرفة النوم والمقلط والمطبخ.. عفواً أقصد ما بين سادس (أ) وخامس (ب)!!.. ياللمعلم المسكين.. بل ياللطالب المسكين.. أتدرون..كلنا مساكين!!. الخرافة التاسعة: إن قيادة التعليم تحتاج إلى فكر.. معظم القيادات أتت عن طريق المعرفة الشخصية (ولا أقول العلاقات) ولا ألوم المسؤول الذي انتقاهم فهو لا يعرف غيرهم.. إذا شغر عنده مكان سأل المقربين لديه.. من تعرفون يصلح لهذا المكان.. أو أحضروا فلاناً لي.. فهو لا يعرف غيره، وكان رحم الإبداع في ميداننا أصبح عقيماً.. لا يوجد لدينا استراتيجية علمية لانتقاء القيادات.. لا يوجد نماذج واضحة، لايوجد معايير دقيقة، أجلب من تريد وقت ما تريد إلى ماتريد.. أتمنى أن يتحول الهمس إلى جهر تسمعوا الحديث الجائل بين المكاتب. أيها السادة يزع الله بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن.. نريد أن نضع الأمور في نصابها.. كفانا عبثاً.. دولة تملك مثل هذه الموارد الجبارة تصنف ضمن الدول الضعيفة علمياً.. ياللكارثة!!!!.. أول ماتحتاجه الوزارة جدولة الأولويات لديها.. تغيير النظام من الداخل.. الجرأة في اتخاذ القرار.. إيجاد تغيير فاعل ومقنع.. رسم أهداف منطقية وعملية.. هنا سنتغير. الحقيقة العاشرة: هذه ليست خرافة.. معالي الوزير.. قادة الوزارة.. فقط أسألوا أنفسكم من المسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن هذا الهدر التعليمي (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).. الانحرافات السلوكية، العنف، عدم النضج الإدراكي، المعلم الضعيف، المبنى السيىء، الانحرافات الفكرية، القيادات الضعيفة، الهدر المالي، المشاريع التي لا فائدة منها أو لاأثر لها بالميدان، المكاتب الرديئة، المناهج العقيمة، الازدحام في المدارس، نقص الكوادر.. من المسئول.. ماذا أعددتم من إجابة حين السؤال في اليوم العظيم. معالي الوزير.. والله إني أحبك بالله وأعرف تماماً أنك من شجرة طيبة مشهود لها بالخير.. وأعرف أن حولك قيادات تم انتقاؤهم بحرص وعناية.. وأعرف أن هناك من يحترق بالوزارة.. لكن ثق تماماً أن هناك من فلسفته بالحياة (أنا ومن بعدي الطوفان).. معالي الوزير.. العمل في التعليم ممتع ولذيذ وأسهل بكثير مما يتصورون أويتخيل المرجفون.. فقط مانحتاجه شيء من الترتيب والجدولة والأسلوب العلمي في العمل.. وقليل من الجرأة المحمودة.. وقيراط إخلاص.. وأثرة واحتساب.. وبعدها سنجد أنفسنا نستمتع بالعمل وتعليمنا اختصر خمسين سنة.. بخمس سنوات.. وفقك الله ورزقك البطانة الصالحة والإخلاص في العمل ولا حرمك أجر الدنيا والآخرة وجعلك مباركاً أينما حللت. *دكتوراه الفلسفة في التربية/ تعليم الرياض