مجلس الشورى في زيارة إلى الحدود الشمالية    وداعاً جدي    منافسة لدعم الشركات المحلية المتخصصة في تقنيات الفضاء    "التجارة" تعزز التشريعات بصدور وتطوير لوائح جديدة    26.7 مليار ريال قيمة مبيعات NHC" وشركائها    تمكين الشباب ودعم الشركات الصغيرة    رتال تطلق مشروع نوبو في مدينة الخبر    مستشفيا قوى الأمن بمكة والدمام يحصدان جائزة الملك عبدالعزيز للجودة    الإبراهيم يجتمع مع وعدد من الشخصيات على هامش منتدى "دافوس"    «الخارجية الفلسطينية» تُطالب بفرض عقوبات على المستوطنين    إنستغرام تعيد ميزة إعجابات الأصدقاء    السعودية ورهان العرب..    الحرب على غزة وتفكيك السردية الإسرائيلية    وماذا بعد صفقة غزة؟    630 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت غزة    والدة الصحافي الأميركي المفقود في سورية: القيادة الجديدة مصممة على إعادته    في الجولة ال 16 من دوري روشن.. الهلال يستقبل الوحدة.. والنصر ضيفًا على الخليج    الحكم المحلي وعدالة المنافسة    الهلال ونيمار.. أزمة حلها في الإعارة    الأهلي يستعيد التوازن بثنائية فيجا وفيرمينو في شباك الاتفاق    الابتسام يتوّج بكأس بطولة الكرة الشاطئية    وزير النقل يستعرض خطط الوزارة في جلسة الشورى    متى تختفي ظاهرة اختلاف تفسير النظام من موظف إلى آخر    "الجوال" يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة نجران    أداء «النقل» على طاولة «الشورى».. الاثنين    حتى لو    تحديات مبتعثي اللغة وحلول مقترحة لدعم رحلتهم الأكاديمية    ماراثون أقرأ    الفلسفة أفقا للنهوض الحضاري    الأدب الكلاسيكي وفلسفة القديم والجديد    كتاب الموتى الرقمي والحق في النسيان    روائع الأوركسترا.. واستقرت بها «الرياض»!    المواطن السعودي عبدالرحمن بن مساعد !    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    آفة المقارنات    "المركزية" تناقش استعدادات رمضان والحج    الحديث مع النفس    بريطانيا تفرض غرامة مالية على العطس أثناء القيادة    تقنية طبية سعودية لعلاج أمراض فقرات الرقبة    أمير الشرقية يسلم "حياك" لمستشفى قوى الأمن    244 مليونا تعيق رحيل نيمار    علاج مكثف لتجهيز الجوير    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي في كوريا    تنصيب تاريخي وملفات ساخنة ترمب الرئيس ال 47 للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة السحيباني    النصر يمدّد عقد "الخيبري" حتى 2029    نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته لمراكز " قيا شقصان كلاخ والسديرة"    قفزة قياسية للائتمان المصرفي السعودي إلى 2.93 تريليون ريال    إدارة التحريات والبحث الجنائي بشرطة الرياض تقبض على 9 أشخاص ارتكبوا 33 حادثة احتيال مالي    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلف    مجمع الملك عبدالله الطبي بجدة ينجح في إنهاء معاناه مريضتين مع السلس البولي الإلحاحي المزمن    أمين القصيم يلتقي وكيل الوزارة المساعد للتخصيص    نائب أمير تبوك يستقبل قائد حرس الحدود بالمنطقة    من القيد حتى الإغلاق.. المحاكم العمالية تختصر عمر القضية إلى 20 يوماً    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع قسائم شرائية للكسوة الشتوية على اللاجئين السوريين في الأردن    رئيس الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة الليبي يزور حي حراء بمكة    أمير الرياض يعزي في وفاة المباركي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسناء أم خالد
نشر في الرياض يوم 30 - 12 - 2004


في قصيدة لفوزية ابو خالد بعنوان (حسناء) تقول:
حلبت السحب الصحراوية الشحيحة
احلاما وحزناً وماء قراح واسئلة صغيرة
سكبت السا ئل الحارق في حنايا الروح
حتى احتدمت القارورة بما ليس
في طاقة جسدها الغض... وليس في احتمال واقعها الهرم
مدت قامتها..
قدمها في البحر
وشعرها كأشرعة تداعب عاصفة
هذه قصيدة نثر وفوزية ابو خالد هي رائدة هذا الجنس الشعري عندنا، ولقد صدر اول ديوان لها في بيروت عام 3791، ولست هنا بصدد الحديث عن مسألة تاريخية وادبية بحتة. ولكن الأمر عندي يتجاوز اسئلة النقد الادبي الى مسألة تتعلق بالنسق الثقافي، ولهذا فإنني ألمس انثوية النص من حيث ان فوزية كتبت نصها باحساس عميق بالانوثة وموقعها في الثقافة، وهذه الحسناء المتصدرة للنص كعنوان له ليست ماتعارف عليه الشعرعن الحسناوات، والحسناء النصوصية جاءت بصفتها قارورة، و (القارورة) مكتنزة بتاريخ من المعاني والإحالات: (احتدمت القارورة بما ليس في طاقة جسدها الغض).
ومن المهم ملاحظة العنوان (حسناء) حيث تبدأ المواجهة الثقافية بين رصيد تاريخي من الغزل الشعري عن حسناوات صاغهن الشعر الذكروري وبين هذه الحسناء الجديدة التي تنقض كل ما نسجته الذاكرة عن اناث شعرية وعن الجسد الغض، فالغضة هنا تأتي بما انها قارورة تحتدم بما هو فوق طاقة هذا الغض، وهذا مفصل ثقافي للقارورة الممتلئة والمحتدمة، بما انها حسناء جديدة، وهي حسناء عملية - وليست نؤوم الضحى - هبت منذ مطلع النص لتحلب السحب الصحراوية مع شحها، ولم يعد شح السحاب سبباً لليأس وانما هو دافع عملي لميلاد الاحلام والماء القراح والاسئلة.
والاسئلة هنا هي اسئلة مؤنثة، ولذا صارت صغيرة، في مقابل اسئلة الفحول الكبيرة، ولكن اي قيمة للكبير هنا في مقابل الصغير الجديد في تفتحه وفي قدرته العقلية، وهل للثقافة النسقية المتوارثة من زمن الجاهلية الاولى ان تظل على وهمها القديم بانها مالكة الاسئلة الكبرى وفي الوقت ذاته تتعالى على الاسئلة الصغرى التي تحلب سحب الصحراء وتولد من الشح سيولاً من الاحلام والماء القراح....!!!!
مدت قامتها..
قدمها في البحر
وشعرها كأشرعة تداعب العاصفة
لاشك عندي ان اي شاعر غزلي ينتمي للفحول وثقافة الفحول سوف يخجل امام هذا النوع الجديد من الحسناوات، خاصة حينما تتمدد قامتها حتى لتكون قدمها في البحر وشعرها يتحول الى شراع مشرع لايصارع الرياح - كما يفعل الرجال في اشعارهم.. وانما ليداعب العاصفة، ومداعبة العاصفة مهارة نسائية تاريخية تعلمت المرأة بخبرتها المتوارثة ثقافياً ان ادق وسائل الحرب هي الحيلة والالتفاف المعنوي ولذا تلجأ المرأة في لحظة المواجهة الى مهاراتها التكتيكية في التراجع الوقتي والتسليم الظاهري والاستعانة بالدموع بوصفها اداة تذيب الحجارة الذكورية، وهي لاتصارع العاصفة هنا ولكنها تداعبها الى ان تسيطر عليها، وهذه حيلة نسقية انثوية لايعرفها الرجال، الذين عادة يتكبرون على الدموع ويتجبرون في المواقف الى ان يفقدوا كل شيء.
وفي النص اشارة رامزة الى مصدر الاسئلة الصغيرة وهو (السائل الحارق في حنايا الروح)، هذا السائل الحارق هو مايصنع الاسئلة الصغيرة، وهذه الاسئلة الصغيرة هي مصدر التغيير الجذري في الذهنية المختلفة عن المعهود الثقافي لما يسمى توهما بالاسئلة الكبرى، او لما تتصوره الثقافة عن حسناء تقليدية ترفل بالدمقس والحرير، وكانت توصف بالصمت، وتحسن به، وقال الشاعر الفحل فيها (بنفسي واهلي من اذا عرضوا له ببعض الاذى لم يكد ليجيب) وهو ناعس الطرف حتى ليوصف بالمريض او المتمارض، كماهي نؤوم الضحى والخرقاء، صاحبة ذي الرمة.
في قصيدة فوزية ابو خالد نجد تغيراً جذرياً في التصور النسقي ذاته، ويصاحب ذلك خطاب في القول الشعري يعتمد التحرر من الوزن التقليدي بكل صيغة حتى التفعيلي منها، كما يتحرر من النسق اللغوي العام بمجازاته وصيغه، ومن هنا فإن اعتماد صيغة قصيدة النثر جاء موظفاً توظيفاً عضوياً له صلة دلالية بالتغير النصوصي الذي انبنى عليه تعديل التصوير النسقي لصيغة الحسناء المتولدة في النص نفسه لتكون نوعاً مختلفاً عن المعهود الثقافي ولذا جاز استخدام الصدمة الفنية في تجاوز الصيغ المعهودة في القول الشعري وصارت لها وظيفة ثقافية وليست مجرد تغيير ابداعي، والنص هنا ليس لغاية الابداع والتأنق الادبي ولاهو ترف قولي، انما هو بيان ثقافي يكشف عن جنس بشري صار يعبر عن نفسه بعدما احتدمت القارورة بما ليس في احتمال جسدها الغض، وبما ليس في احتمال واقعها الهرم.
هذه هي الحسناء المختلفة، وهي لاتختلف عما هو تقليدي قديم كما هو الخطاب الغزلي فحسب، بل تختلف حتى عما هو حداثي او شبه حداثي، من مثل حسناوات نزار قباني، انها حسناء تشبه بدر شاكر السياب، في انشودة المطر، ولكنها تتميز عنها جذرياً، حيث هي هناك اسطورية جرى نبشها من التاريخ بما انها احالة الى عشتار، بينما هي عند فوزية ابو خالد حسناء تصنع ذاتها، وقامتها هي تمدد ذاتي، وفي كلا النصين قامة ممتدة، في انشودة المطر وفي حسناء فوزية، غير ان انثوية النص هنا تتجلى في القدرة الفائقة على التعبير الاقتصادي حتى لكأنه صرخة استنفار او دمعة فريدة، وفي قدرته على ابتكار ذات نصوصية تملك سمات التأسيس النسقي وهو مانجد آثارا له في كثير من اعمال فوزية ابو خالد .
ولئن قلت في كتابي (النقد الثقافي - الفصل السابع) ان نازك الملائكة والسياب هما من كسر النسق الفحولي وفتحا الباب لتأنيث القصيدة، فإنني هنا اشير الى ان فوزية ابو خالد قد اسهمت في الدفع بخطاب التأنيث الثقافي، وقصيدتها هذه هي عنوان ثقافي على تغيير جذري في ذهنية النسق وفي تحولات الخطاب وهي حلقة في سلسلة من تحولات لافتة، تقوم في مقام الاسئلة الصغيرة، وهي بسبب صغرها الخداع تفعل فعلها في قلب موازين الخطاب، وفي تحويل الذهنية الثقافية حتى لتأتي القارورة مع لغة مبتكرة وخصوصية بما انها خصوصية لدى النساء حينما تداعب العاصفة تمهيداً لاحتوائها وتحويل مسارها لمصلحة السحب الشحيحة في الصحراء ومن ثم تحريك هذه الشحيحة لتجود بما في رحمها بعد ان جرى تدجين العاصفة لكي تتحول من رياح جائرة الى نسمة معطاء، تستطيع الانثى ان تساعد في انقاذ البشرية من جبروت الفحول ولغتهم المتوحشة، وتستطيع المرأة ان تقدم نسقاً انثوياً يؤسس لوعي مختلف، وهذه القصيدة علامة عليه، وهي قصيدة قصيرة ومنثورة وصغيرة، ولكنها عميقة الدلالة وهي مؤشر عميق على تغير جذري في التعبير والنسق.
تعقيب كريم
قبل ان اجد طريقي للافطار والجرائد وجدت خطاباً مطولاً على الناسوخ من الاستاذ علي العمير في صبحية الخميس الماضي الساعة الثامنة تماماً، وفيه تأكيد على ان العواد قد قارن بين ثريا قابل واحمد شوقي (وليس الشريف الرضي) وفيه معلومات كثيرة بهذا الخصوص وسوف اخص ذلك بمقال لاحق، كما سأقف على مفهوم النسق الذي رغب الصديق الدكتور معجب الزهراني بإثارته، وكل ذلك ضمن هذه السلسلة - إن شاء الله -.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.