يمكن تعريف الوضع العراقي بجملة أزمات، أي أن الوضع الداخلي خارج سيطرة السلطة والقوات الغازية، وهناك من صار يتحدث عن تدخلات خارجية من دول الجوار، وغيرها، وآخرون يقولون إن العراق تحوّل إلى أهم تجميع للإرهابيين، وأن طبيعة العراق الراهنة تجعله يسير بالتقسيم، أو الحرب الأهلية، وكذلك يمكن تشكيل قوس شيعي من إيران والعراق، وسوريا ولبنان، والأحاديث تطول حتى بالخوف على عروبة العراق. قطعاً أي بلد يتعرض لهزات وحروب طويلة ينجب ظروفاً حادة وقاسية، والعراق ليس استثناء، لكن الخوف ان يصبح كل مسؤول إداري عن منطقته، أو طائفته مخولاً الحديث عن كل شيء بما في ذلك خلق أزمات مع الجوار باتهامات لم تصل إلى حد اليقين، وهذا لا ينفي أن أموراً تتجاوز الحالة العراقية ربما تحدث، لكن يجب أن تكون مصادر الأخبار جهة رسمية تتولى مسؤولية التبعات التي قد تلحق بالعراقيين من مشاكل مع بلدان مجاورة. ليس هناك من يبرىء، أو يتهم دولة ما، إلا بالقرائن، لكن الخطورة أن تكون التصريحات غير المسؤولة لعبة يتقنها الاحتلال، أو من يبحثون عن دور في ميادين المعارك، للعراق الحق أن يطالب برفع كل الأيدي عن شؤونه الداخلية، بتوفر قيادات ومواطنين لديهم الكفاءة في ملء الفراغ، بل إن ثقافة العراقيين، وتجاربهم قد تفوق الكثير من الدول العربية، لكن إذا كانت الحقوق المعنوية مفقودة، ليس بنظام مأزوم مع آخرين، بل في البيئة العربية كلها، فإن مساعدة العراق على تجاوز أوضاعه مهمة أخلاقية، ومسؤولية قومية ودينية. نحن لا نفضل بين السياسات، والمطامع، إذا كانت تحدد هذه القضايا قوى ترفع مستوى العشيرة، والاقليمية، والطائفة، فوق الوطن، وتحرره، وإتمام معماره الاساسي لأن ارثا كبيراً من التارات، والشروخ التي عجزت عن إزالتها النوازع المتوارثة، هي من يرسم حدود العلاقات بين دول المنطقة، والمشكل الأكبر، أننا لا ننطلق من مسؤوليات محددة بحيث نقف على شكل معين من احترام الخصوصية الاقليمية، أو احترام قانون كل بلد، بحيث نؤسس عملاً يتجاوز الحساسيات الأخرى، وهذا ما يدفع العراق وغيره على الشك في كل شيء، مما يدمر عوامل الثقة التي يمكن بناؤها من خلال وعي بالمصالح، قبل غيرها. الشعب العراقي لم يكن الجاني بإثارة الانقلابات والحروب، والغزو الخارجي لأن منبت هذه المشاكل ولد من داخل السلطات التي تعاقبت على العراق، وقد يكون هدفاً مثالياً لدول خارجية بحكم تكوينه الخاص، وثرواته الكبيرة، وتأثيره على خارطة الوطن العربي، لكن هذا لا يعني أن يتحمل مآسي المنطقة دون أن ندرك كيف وصلت خسائره، إلى ما يتجاوز كل الدول المحيطة به، أو غير البعيدة عنه. العراق، وكما نكرر لديه فرص الوحدة، والبناء، لكن يجب أن نتعاون على أن نعطيه الفرص حتى لا يقع ضحية غيره.