الإشراف.. هو الموقع المرتفع عن سطح الأرض، وكان ابن البادية عندما ينزل في المكان الذي يختاره لمحل إقامته يكون من أولوياته أن يرتقي الموقع المعتلي والقريب منهم مثل التل أو الرجم أو الجبل وهذه الظاهرة متعارف عليها عند أهل البادية وتلك من جل أن يشاهدوا الشعاب والوديان التي حولهم والتأكد من أن هذا المكان مناسب لرعي إبلهم وماشيتهم، ومعروف عن ابن البادية منذ أقدم العصور حبه للإشراف ومشاهدة قدوم الضيوف من بُعد، وكذلك مراقبة الرعيان، وأيضاً معرفة الأخطار التي قد تحل بهم من قبل الأعداء إضافة إلى ذلك فإن الإشراف يعتبر عشقاً أزلياً عند أهل البادية فمن طبيعتهم التي جبلوا عليها حبهم للمكان العالي مثل الجبال الشاهقة، خاصة الرجم الذي ارتبط به ابن البادية على مر العصور، ويرد ذكره في قصصهم وفي أحاديثهم وفي العديد من قصائد شعرائهم نظراً لكونه الأنسب لهم خاصة وأنهم يفضلون الأماكن الهادئة التي يصفى فيها الفكر ويحلى بها الجلوس وهذا الشاعر رميح بن محمد الخمشي يصف لنا علاقته بالرجم فيقول: أمس الضحى عديت رجم ينادي رجم تعاقب به وحوش القرانيس والإشراف على الأرض من فوق الجبل أو التل أو الرجم يتميز بعلوه الرفيع ومكانه البهي الذي يجعل من يجلس فيه يستطيع أن يمد نظره ويشاهد ما حوله من جمال الطبيعة خاصة في الصباح الباكر أو قبل وقت غروب الشمس، وكذلك يعبر الشاعر عن ما أصابه من أحداث وضيقة بال وشقاء الحياة وشدّات الزمان وفي ذلك يقول عبدالهادي بن عبدالله بن راجس: عديت مرقاب طويل وعملاق رجم طويل يبرح الخد شاهوق رجم يوسع خاطري كل ما ضاق من عقب مشرافي بسميه مرزوق عساه نوّه يزعج السيل دفّاق ما هوب من عجل المعاصير مرفوق نوّن ثقيل راسي له تفهاق سيله على روس الغراميل مدفوق يسوقه الغربي ولا هوب ينساق ويرده الشرقي ولو كان مسياق ما فيه رعاد ولا فيه براق بلا يهل من الهماليل برفوق عقبه تشوف النبت كله بالأوراق مدهم ويكسي عاري الخد من فوق ويعتبر الإشراف عند أهل البادية هو المكان الأجمل بالنسبة لهم حيث يحلو لهم الجلوس فيه والاستمتاع بعلوه ومكانه المرتفع، ونجد أن الشعراء والشاعرات هم أكثر الناس الذين يفضلون هذا المكان الشاعري الذي يحلو فيه ترديد الغناء ونظم القصائد وبدع الموالات والطواريق لذلك عندما يجدون أنفسهم مصابة بالهموم أو الأحزان يعتلون مكان المشراف ويعبرون عن ما يختلج في نفوسهم من مشاعر جياشة وحساسة كما تقول الشاعرة جزعا الشمرية: ليتني ما اشرفت في مرقب وقت العصر ذكر المشراف قلب المشقى من عناه دمع عيني فوق خدي كما وبل المطر مثل سيل الصيف لاجا حقوقه من سماه فاح قلبي فوح بنٍ على جمر السمر زاد فوحه وانتثر يوم سج اللي ركاه والله اني من حبيبي على روحي خطر والخطر بالروح من له صديق ما رضاه ليلة عندي تجي ليلة الغدرا قمر وان نحابه نية عزتي له عزتاه ليتني غالوقة الثوب وازرار النحر ما افترق وياه ما دام قرطوع الحياه لقد اختارت هذه الشاعرة مكان الإشراف لكي تعبّر عن ما في خاطرها من شجون وعذاب تعانيه فالشعراء والشاعرات هم أكثر الناس الذين يحسنون في وصف الأحاسيس والمشاعر خاصة من وهبه الله قوة الملكة الشعرية وما أحدثته الأيام له من سعادة أو شقاء أو ما يعانيه من الصعاب والمشاق التي تعرّض لها في حياته. والإشراف لا يقتصر على الأماكن التي يكون ارتفاعها بسيطاً مثل التل بل يشمل أعلى الجبال الشاهقة وعندما تكون قريبة من منازل أهل البادية يعتلونها وتصبح بعد ذلك من الذكريات الجميلة في حياتهم حتى وإن طال الزمان كما يقول الشاعر غنام بن فالح المسردي مخاطباً الرجم الذي كان يجلس فيه وعندما شاهده بعد فترة طويلة من الزمان قال هذه الأبيات التالية: يا رجم يا ما على راسك تعلينا لا مدنفت للمغيب ولا سرح سارح ذكرتني يا رجم ليلة تلاقينا قدام عشر سنوات كنه البارح واليوم ما كن لا رحنا ولا جينا والله حياة الزرا وأنا ولد فالح وفي الرجم هذا المكان المحبب عند العشّاق الذين يحاولون فيه أن يزيلوا عن أنفسهم حمل الصعاب والعقبات التي قد تواجههم في حياتهم اليومية وذلك من خلال ما تجيد به المشاعر والعواطف من كلمات صادقة ومعبرة تكون في الغالب لها صدى جميل عند الناس وتبقى في ذاكرتهم ومنها هذه الأبيات للشاعر ضويحي بن فهد الهرشاني: أنا أمس الضحى عديت في عالي أم رجوم وأخيل العذارى زملهن وين ينحنّه الا يا وجودي وجد من قيل يا مرحوم دعي له بخير عقب دنياه بالجنّه وأنا ما ذبحني واودع القلب فيه ثلوم يا كود العواتق حدر شقر نقضنّه على جادل شدّو هله مع صدير اليوم ولا يرجعون إلا على هبّة الكنّه