في منتصف التسعينيات من القرن الميلادي المنصرم، كان الشاعر العراقي سعدي يوسف يحضر مناسبة ثقافية في أبو ظبي، حينما انبرى بالنقد العلني المفاجئ للمنظمين الخليجيين «الرجعيين» ومناسبتهم «الرجعية»!! كان قبلها قد تحمس له المسرحي العراقي عبدالإله عبدالقادر الماسك بزمام جائزة سلطان العويس الثقافية.. ولا يستبعد أن اقترحه على اللجنة المرشحة بكيفية أو أخرى.. فنالها سعدي يوسف كما نالها آخرون.. صدف أن كان معظمهم يساريين - وفي الغالب ماركسيين - انسجاماً مع أيدلوجية منظم الجائزة!! إلا أن دراهم الخليجيين أو دولاراتهم ما كانت لتستميل قلب الشاعر الثائر.. وهو حقاً أبرز من سجلوا نقدهم المبكر وموقفهم المبدئي ضد الطاغية العراقي ونظامه، منذ انفراط عقد الجبهة الوطنية بين الشيوعيين والبعثيين في بغداد. فلماذا - إذن - تم اختيار سعدي يوسف لنيل جائزة الثري «الإماراتي» الراحل.. هل الاختيار نابع من تقديرهم لتجربته الشعرية ونوعيتها الفنية.. كيفما كانت أيدلوجيته وآراؤه السياسية.. أم أنه هدف إلى احتوائه عبر رفيقه العراقي.. في أمانة الجائزة؟! ?? صحيح أن أحداً من الفائزين بجائزة العويس السخية!! لم ينل الإمارات وشعبها وقادتها - على حد علمي - بسوء منذ استلموها!! ابتداءً من الشاعر نزار قباني ومحمد مهدي الجواهري وانتهاء بالروائي عبدالرحمن منيف.. والقاص سليمان فياض، والمسرحي سعدالله ونوس.. وأخيراً الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر.. رغم أن الجائزة أهلية وليست حكومية! أمس تناولت بعض الصحف خبر سحبها من الشاعر العراقي سعدي يوسف، بعد تعرضه بألفاظ غير لائقة - حسب خبر جريدة الرياض - للشيخ زايد آل نهيان - رحمه الله - عبر مقال منشور في أحد مواقع شبكة الإنترنت.. وقد سعت الجائزة جاهدة للاتصال بالشاعر لنفي ما ورد عنه، إلا أن المحاولة باءت بالفشل.. وعليه فقد قررت المؤسسة سحب جائزة صاحبها سلطان بن علي العويس الثقافية من الشاعر سعدي يوسف.. واعتبار فوزه بالجائزة عام 0991م كأن لم يكن وشطبه من سجل الفائزين بها. السؤال هنا.. هل سيستتبع هذا الإجراء سحب القيمة المادية للجائزة في حال رفض الشاعر تسليمها عن طيب خاطر.. أم أنه سيعتبرها من الأسلاب والغنائم التي يحصل عليها الصعاليك من الأثرياء والموسرين في العهود الجاهلية؟!.. وبعد ذلك وقبله ما هو الموقف القانوني من هذه القضية؟! ?? أنا شخصياً أشك أن الشاعر العراقي سيسلم المبلغ.. بل إنني أشك بتوفره بين يديه، فظروفه المعيشية - حاله حال من أدركته حرفة الأدب - ليست على ما يرام!! إضافة إلى كونه يعيش في المنفى، ولا سبيل إلى ارتزاقه وسد حاجته إلا بقلمه.. وهو في عالمنا العربي مورد شحيح العوائد.. ومع هذه الحيثيات وغيرها.. فإنه من غير اللائق أن يرتكب سعدي يوسف هذه الحماقة.. وما دام هذا هو موقفه من الخليج وماله وأنظمته.. فلمَ قبل أساساً بأخذ جائزة سلطان العويس؟! ولعلي هنا أذكّره بموقف رفيقه في الأدب والسياسة.. أعني الروائي المصري صنع الله إبراهيم الذي رفض جائزة الدولة التقديرية.. بل إنه رفض استلام جائزة نجيب محفوظ للرواية لأنها صادرة من جهاز حكومي هو وزارة الثقافة المصرية.. اضافة إلى اعتراضه على مواقف نجيب محفوظ السياسية.. ومع ذلك قبل جائزة سلطان العويس الثقافية بوصفها صادرة من مؤسسة أهلية، مقدراً مبادرة الثري «الإماراتي» الراحل وقد تحسس قبل مماته معاناة الأدباء العرب القاسية على كل صعيد.