الجوائز الأدبية في العالم العربي أضحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها عند قراءة المشهد الثقافي العربي، فهذه الجوائز التي يزداد عددها سنة تلو أخرى، لم تبق وقفاً على طابعها التكريمي والبعد المعنوي الذي طالما تميزت به. أضحت هذه الجوائز بعدما بلغت شأوها مادياً أو مالياً، مسقط اهتمام المبدعين، شعراء وروائيين ومسرحيين وحتى نقاداً. وقد زاد من وهجها المادي تسلل رجال الأعمال الى حقلها بأموالهم و «عطاياهم»، بالسر أم جهاراً. وبدا بعض هؤلاء يتسابقون الى إطلاق جوائز تحمل اسمهم أو الى دعم جوائز أخرى يكونون فيها بمثابة الرعاة والمساهمين. ناهيك عن تدخل رجال السياسة في هذا الميدان وكان آخرهم الرئيس الليبي معمر القذافي الذي أثارت جائزته حفيظة الكثيرين من أهل الأدب والثقافة. باتت الجوائز حاضرة بشدة في المعترك الأدبي العربي الراهن، وهذا الحضور لم تعرفه الجوائز الأدبية سابقاً. ولعلها لم تكن يوماً مثلما هي الآن مثار اهتمام وسجال. وهذا العام شهدت جائزة «البوكر» العربية سجالاً حاداً أدى الى استقالة أحد أعضاء لجنة التحكيم، وهي الناقدة المصرية شيرين أبو النجا، احتجاجاً على آلية الاختيار والتقييم، وكان على استقالتها أن تترك صدى داخل اللجنة أولاً ثم في الساحة الأدبية والإعلامية. أما السجال الآخر الذي نشب في عالم الجوائز الأدبية، فكان في اتهام أحد الفائزين بجائزة الشيخ زايد للأدب بالسرقة والقرصنة، وقد اضطرت هيئة الجائزة الى سحب جائزتها منه، فخلعت عنه اللقب، أما المبلغ المالي فلا، وهو ليس بقليل: مئتا ألف دولار. وقبل بضعة أشهر، احتج الروائي المصري بهاء طاهر على الركاكة التي اعترت ترجمة إحدى رواياته بعد فوزه بجائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأميركية، ودخل في سجال مع هيئة الجائزة. لعل الجو الذي يرافق منح الجوائز، على اختلافها، والذي غالباً ما يكون مفعماً بالحماسة والشغف والاضطراب أحياناً، يدل على الأثر الذي باتت تملكه الجوائز في الحياة الأدبية. بعض الكتّاب باتوا يبحثون عن أي جائزة كي يترشحوا إليها، غير مبالين بأهميتها المعنوية، فالمهم في نظرهم قيمتها المادية. وفي إحصاءات معظم الجوائز يُلحظ ارتفاع في عدد المترشحين، وهذا الرقم غالباً ما تسعى الجوائز إلى التباهي به، فهو خير دليل على حجم الإقبال على الجائزة، والحجم هو أحد أهداف الجوائز. قد لا يلام المبدعون العرب على تحمّسهم للجوائز وسعيهم الى الفوز بها مستميتين في أحيان، فهم في غالبيتهم ليسوا بأثرياء، وبعضهم يعيش حالاً من الفقر والعوز. وقد تكون الجائزة فرصة سانحة للإفادة من المال، أياً يكن. أحد الأدباء العرب ساعدته إحدى الجوائز على تحقيق حلمه، وهو امتلاك شقة، وكاتب آخر أعانته الجائزة في عبء إعالة أسرته... وهكذا دواليك. لكن بعض الفائزين يمضون في تبذير المال الذي أتتهم به الجائزة ليعودوا مثلما هم أصلاً، فقراء أو طفرانين، ومن هؤلاء: الناقد الراحل فاروق عبدالقادر، والشاعر العراقي سعدي يوسف، الذي سُحبت منه جائزة العويس لاحقاً لإقدامه على مهاجمة الإمارات متناسياً أنه ارتدى وشاح هذه الدولة عند تسلّمه الجائزة. غير أن الجوائز لا يمكن قصرها على قيمتها المادية والمالية فقط، فهي عطفاً على قيمتها هذه، تمثل فرصة مهمة للكاتب كي يخترق عزلته المحلية والعربية ويطل على المزيد من القراء في العواصم العربية والعالمية. جائزة مثل «البوكر» العربية هي نافذة للإطلالة على العالم من خلال الترجمات التي تحظى بها الروايات الفائزة، وكذلك جائزة نجيب محفوظ، التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة. والترجمة الى لغات عالمية حافز مهم جداً للسعي نحو الجوائز، فجائزة محفوظ على سبيل المثل تكمن فرادتها في هذا المنحى وليس مالياً، لأنها لا تتعدى ألف دولار. نادراً ما تجد الآن كاتباً، روائياً أو شاعراً، لا يسعى الى نيل جائزة، سراً أو علانية. بعضهم يتكبّر على الجوائز في الجهار، لكنه لا يتوانى عن السعي إليها بالخفية. الجائزة تظل مغرية، ومغرية جداً، مهما حاول بعضهم التقليل من أهميتها. وما يجب عدم إنكاره أن بضعة شعراء وروائيين أعلنوا رفضهم القاطع للترشح للجوائز ولنيلها، وهؤلاء قلّة طبعاً، وهم من فئة الزاهدين المكتفين بكفاف حياتهم والمتعالين على «العطايا» والهبات التي لم يختاروها يوماً لتكرّس أدبهم ومراتبهم. لكن اللافت جداً هو أن أسماء كثيرة عرفت بيساريّتها والتزامها وانشقاقها لم تتلكأ يوماً عن الترشح للجوائز والفوز بها. - التمويل الخليجي يكاد يطغى ... لكنّ معظم الفائزين عرب (الرياض - أحمد زين) - الإشكالات المصرية تفاجئ اللجان والجمهور (القاهرة - علي عطا) - الأدب الجزائري يعاني داخلياً ... والنخب تحت الوصاية (الجزائر - بشير مفتي) - سجالات مغربية غير مجدية والإحتجاج محتدم (الرباط - عبد العزيز الراشدي) - الفقر يحاصر جوائز الأدب الفلسطيني (فخري صالح) - «سخاء» صدّام والتجاهل العربي عزلا الأدب العراقي الحديث (صلاح حسن)