استقبل الوسط الأدبي العربي العام 2010 بلغط حول فوز الناقد المصري جابر عصفور بجائزة القذافي العالمية للآداب، في دورتها الأولى والتي رفضها الروائي الإسباني خوان غوتسيلو، وودعوه بلغط حول فوز الروائي الليبي إبراهيم الكوني بجائزة ملتقى القاهرة للرواية في دورته الخامسة. وما بين هاتين المناسبتين كانت هناك طوال العام المنصرم مناسبات عدة للجدل بشأن الجوائز الأدبية، لجهة معايير منحها ودورها في النهوض بالأدب أو تدهوره، وغير ذلك. والغريب أن البعض، ضمن ذلك اللغط، ربط بين فوز الكوني الذي ترأس لجنة تحكيم جائزة القذافي العالمية للآداب، وفوز عصفور، واعتبر أن في الأمر «مجاملة» لصاحب رواية «المجوس»، مع أن اسمه مطروح ضمن المرشحين لجائزة ملتقى القاهرة منذ دورته الأولى التي ذهبت جائزتها إلى عبد الرحمن منيف. كما استدعى فوز الكوني أيضاً «حادثة» رفض صنع الله إبراهيم تسلم جائزة ملتقى القاهرة للرواية في دورته الثانية، وتمنى البعض لو أن صاحب «تلك الرائحة» تسلمها وتبرع بقيمتها، لأي جهة، كما فعل الروائي الليبي الذي قرر أن يذهب المال المستحق عن الجائزة (18 ألف دولار) إلى أطفال الطوارق في دولتي مالي والنيجر، ومعروف أنه ينتمي إلى الطوارق (الأمازيغ) الذين يعيشون كذلك في شمال أفريقيا. وقبل أيام قليلة على إعلان اسم الفائز بجائزة ملتقى القاهرة، احتفل قسم النشر في الجامعة الأميركية في القاهرة بتسليم جائزة نجيب محفوظ إلى الروائية المصرية ميرال الطحاوي عن روايتها «بروكلين هايتس» التي أدرجت أيضا ضمن القائمتين الطويلة والقصيرة لجائزة البوكر العربية. وترى الطحاوي رداً على سؤال ل»الحياة» أن الجوائز في العالم تعطي الكاتب فرصة لاستراحة المحارب ليجد وقتاً ليكتب معتمداً على ريع الجائزة الذي يكفيه العمل الشاق، ويعطيه فرصة ليتفرغ للكتابة. وتضيف أن منح الجوائز إلى كتاب من الأجيال الجديدة يضع أسماءهم بقوة على الخارطة الأدبية ويجعل الالتفات إلى مواهبهم أقوى. وبالطبع، تقول الطحاوي، هناك أسماء كبيرة في الأدب لا تحتاج إلى جوائز، بمعنى أنها تحققت وصنعت مصداقية بتاريخها، مشيرة إلى أن الجوائز في المطلق هي ساحة للتنافس الشريف على النص الجميل والفن الجميل. وتضيف: «مثلاً في كل سنة تترشح الأفلام في المهرجانات السينمائية الأوروبية والعالمية وتفوز أفلام صغيرة وتسقط أسماء كبيرة، ولكن ذلك لا يقلل من قيمة أحد. فميريل ستريب مثلاً جلست مرات عديدة في كراسي المتفرجين وفازت فنانات أقل منها قيمة وربما أفلام رديئة ولم يعنِ ذلك لها سوى مزيد من التألق، فما زالت بعد خمسين عاماً من السينما تنافس وتتألق. الجوائز فرص للفرح والتألق وخلق مناخ جيد للتلقي ولا تمثل حكم قيمة على أحد. الجوائز إذا التزمت المعايير الفنية والأدبية ولم تنحز سياسياً أو إقليمياً تصنع حراكاً ضرورياً، بخاصة في عالمنا العربي». ويرى حمدي أبو جليل الذي سبق له الفوز بجائزة نجيب محفوظ عن روايته «الفاعل» أن الجوائز في النهاية مفيدة للأدب والأدباء، حتى لو كان في الأمر «مجاملة». ويضيف: «أن تصل رواية مثلاً إلى قائمة البوكر القصيرة فهذا يعني أن صاحبها ضمن الحصول على عشرة آلاف دولار، وهذا جيد بالنسبة إلى كاتب يطبع كتابه على نفقته ويتولى توزيعه تقريباً بنفسه عبر إهدائه إلى أصدقاء ونقاد، وهذا من الناحية المعنوية يعطي ثقة في العمل، فهناك كثيرون يحصلون على نوبل ولا يقرأ لهم أحد... نحن بصراحة في حاجة إلى مزيد من الجوائز». الكاتبة المصرية سلوى بكر التي رشحتها جامعة مصرية أخيرا لنيل جائزة التفوق في الآداب التي يمنحها المجلس الأعلى المصري للثقافة ترى في الجوائز الأدبية العربية «ظاهرة إيجابية، ولكن يعيبها في المجمل، كما تقول، غياب المعايير الواضحة. وتضيف «هناك جوائز يسلط الإعلام الضوء عليها في شكل لا يتناسب مع قيمتها الواقعية». وتستطرد صاحبة رواية «البشموري» أن جائزة الجامعة الأميركية في القاهرة والتي تحمل اسم نجيب محفوظ «تُمنح لكل من هب ودب، ومن يحصلون عليها غالباً ما تربطهم علاقات بأعضاء لجان التحكيم أو بعضهم، حتى أنها ذهبت في إحدى دوراتها إلى شاعر، وبررت إحدى أعضاء لجنة التحكيم ذلك بقولها إن العمل الذي حصل عنه هذا الشاعر على الجائزة هو سيرة ذاتية وليس ديوان شعر». وبالنسبة إلى جوائز أخرى فإن أصحاب دور نشر معينة، تقول بكر، يمتلكون سطوة إعلامية يستخدمونها في تكريس الكُتاب الذين ينشرون لهم، ومن ثم تذهب إليهم الجوائز دون سواهم». ومع ذلك فإن سلوى بكر تؤكد أنها شعرت بسعادة غامرة عندما فاز الروائي السعودي عبده خال بجائزة البوكر العربية في دورتها الثالثة. بوكر والملحن المصري وكان من طرائف العام المنصرم، أو غرائبه في ما يتعلق بالجوائز الأدبية أنه عقب إعلان فوز عبده خال بتلك الجائزة عن روايته «ترمي بشرر»، تردد أنها تتضمن إساءة إلى الملحن والمغني المصري محمد رحيم، فبادر الأخير برفع دعوى قضائية طالب فيها بمصادرة الرواية ومحاكمة مؤلفها. وعلى الصعيد المحلي ذهبت جائزة التفوق في الآداب إلى الناقد فاروق عبد القادر، وهو في حال غيبوبة تامة، وفي اليوم التالي غيبه الموت، ومن ثم آلت قيمة الجائزة المالية إلى ورثته. أما الكاتب طارق إمام فنال جائزة الدولة التشجيعية عن روايته «هدوء القتلة»، ولكن سرعان ما قرر المجلس الأعلى للثقافة سحبها منه بعدما تبين أنه سبق أن فاز بجائزة ساويرس عن الرواية نفسها. على أية حال فإنه مهما قيل في سلبيات الجوائز الأدبية العربية فإنها ستظل، كما يقول الكاتب المصري سعيد الكفراوي، هدفاً يسعى الأدباء من أجل بلوغه. ويضيف الكفراوي :»أنا شخصياً لا أعترض على ذلك، لأن في الجوائز تقديراً لجهد الكاتب، ولأن الكاتب العربي في أمس الحاجة سواء إلى التقدير المادي بحكم أن الكتابة لا تدر عليه ما يعينه على شظف العيش، أو التقدير المعنوي الذي يضع عمله في دائرة الضوء». ويرى صاحب «البغدادية»، و»شفق ورجل عجوز وصبي»، أن الجوائز عزاء لما يقدمه الكُتاب من إبداع، لكن التكالب عليها أوجد كتابة تتم وفق معايير ومواصفات يعرف صاحبها أنها تلقى هوى مانحي جوائز معينة، وفي المقابل هناك لجان تحكيم غير منصفة، ودليل ذلك أننا قلما نجد فائزين بجوائز أدبية عربية من المغرب العربي». في كل الأحوال، يؤكد الكفراوي، أنه يرى في الجوائز تقديراً للكتاب ويتمنى أن ينشأ المزيد منها ليتسنى تقديم ما يجب نحو الإبداع العربي. والكفراوي هو من أشد الكتاب العرب إخلاصاً لكتابة القصة القصيرة، ذلك الجنس الأدبي الذي يرى الروائي المصري يوسف القعيد أنه مظلوم من حيث التقدير الذي تمثله الجوائز. وعموماً يرى القعيد أن الجوائز ظاهرة إيجابية ويتمنى أن تكثر في وطن تتفشى فيه الأمية، وبالتالي لا يستطيع الأديب أن يعيش من الكتابة. ويضيف صاحب رواية «الحرب في بر مصر» قائلاً :»ولكن يزعجني غموض المعايير في بعض الجوائز وافتقاد الشروط الصارمة وغياب الشفافية ما ينعكس سلباً على فكرة شرعية الجائزة. وهناك أيضاً الأهواء الشخصية وتدخل المانحين. فضلاً عن استحواذ الروائيين على الجوائز على حساب الشعراء وكتاب القصة القصيرة والمسرح». ويطالب القعيد بتخصيص جوائز لرواية الخيال العلمي، «في ظل صعود قوى سلفية تعتبرها إلحاداً»، كما يطالب بجوائز للأعمال الأدبية المنشورة إلكترونيا. ويلاحظ القعيد أن «جوائز مصر شديدة المحلية، مع أن الفرصة سانحة لأن يكون لها بعد عربي أوضح مما هو عليه الآن، فجائزة مبارك مثلاً كان مخططاً أن يكون اسمها جائزة النيل على أن تكون متاحة للعرب عموماً وليس المصريين وحدهم». ويضيف: «بصراحة مازلنا في العالم العربي نفتقد الجائزة التي لها مصداقية جوائز نوبل. وحتى البوكر العربية أصبح كتابنا يكتبون من أجلها. جوائزنا لا تزال مركزة في مكانين: الأول دول ذات ثقل حضاري ودول ذات ثقل مالي، وتتجاهل عرباً يكتبون بغير اللغة العربية. أما لجان التحكيم فتتشكل فرقة منقولة جواً من عاصمة عربية إلى أخرى، وهذا عيب لأنه يكرس أسماء بعينها». يرى الناقد والشاعر المصري محمد بدوي أن «الجوائز مفيدة عموماً، ولكن في سياق الفساد الحاصل في أجواء الميديا والشللية والإقليمية والتربيطات والمصالح يمكن أن تكون غير مفيدة». ويضيف: «هناك تدخلات سافرة من أشخاص أو مؤسسات تفسد الجوائز، فما حدث خلال الدورة الفائتة لجائزة البوكر العربية أكد بوضوح أن عمل لجنة تحكيمها ليس سرياً، وأن أعضاء تلك اللجنة ليسوا فوق مستوى الشبهات، وفي المقابل هناك جوائز ذات سمعة حسنة منها جائزة الشيخ زايد التي أكدت صدقيتها عندما سحبت جائزة كانت منحتها لباحث جزائري بعدما ثبت لديها أن عمله قام على سرقة جهود باحثين آخرين، وجائزة سلطان العويس التي صنعت لنفسها على مدى نحو عشرين عاماً اسماً كبيراً وهيبة ولا يمكن حتى لو اختلفنا مع من حصلوا عليها أن نقول إنهم لا يستحقونها». الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد يرى أن الجوائز تؤثر بالإيجاب وليس بالسلب، حتى لو جاءت في بعض الأحيان محملة بنوع من الترضية أو التزكية القائمة على أساس إعلامي أو علاقات شخصية، وبعض تلك الجوائز لا تشوبه شائبة مثل جائزة العويس. ويضيف: «مشكلة الجوائز الآن تتمثل في وجود عدد كبير من الكتاب والمبدعين، ما يصعب معه المفاضلة بين الأعمال، إضافة إلى مشاكل أخرى مثل تزكية بعض الأسماء إستنادا إلى مواقعهم الوظيفية أو الإعلامية أو استنادا إلى تأثيرهم الاجتماعي، لكن وبرغم هذا كله ستظل الجوائز عملاً إيجابياً بالنسبة للإبداع والمبدعين».