أكتب هذا النثار وأنا راقد في مستشفى بيرسي الذي يقع في ضاحية خارج باريس اسمها كلامار، وهو يقع فوق قمة جبلية وتحيط به الغابات وهو نفس المستشفى الذي كان يعالج وتوفي فيه ياسر عرفات الذي لم يغب عن خاطري منذ أن دخلت المستشفى، وقد قابلته مرة واحدة في حياتي في القاهرة يوم أن كنت طالبا في السنة الأولى في كلية الزراعة بجامعة القاهرة وكان هو طالبا في السنة الأخيرة في كلية الهندسة، وكان ذلك زمنا من أحسن الأزمان، كان زمنا لن أنساه، كان الإنسان يحيا في عالم لا يوجد فيه سوى الأمل والحب والكفاح من أجل مستقبل أفضل لم يتحقق حتى الآن ويبدو أنه لن يتحقق في حياة جيلي، وأنا أكتب هذا النثار وغدا ستجرى لي عملية تتعلق بالقلب، ورغم أن العملية ليست خطيرة إلا أن الاستعدادات والإجراءات التي خضعت لها منذ أن دخلت المستشفى جعلتني أشعر أن العملية ليست عادية أو بسيطة، توقفت عن الكتابة وبدأت أقرأ شيئا من الشعر الفرنسي وتوقفت عند هذه القصيدة وهي لشاعر غير معروف اسمه الفريد سود ينكامب: في زمن ما كان هناك البحر والرمل وخطى في الأفق وكنت أنت تلك الخطى ويداك في يدي في مهب الريح مع أشعة الشمس التي تغمرني وأنت تقتلني لأنني لست في مكان واحد بل في كل الأمكنة وتغرقني كأمواج البحر وتتسلل إلى راحتي كحبات الرمل