كان من المقرر أن تعقد في مدينة مسقط في شهر ربيع الآخر من السنة الحالية الندوة الدورية الحادية عشرة في الخدمة المدنية بعنوان (التأمين الصحي للموظف وتجربة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في هذا المجال) وكنت قد أعددت ورقة عمل تناقش تطبيق التأمين الصحي على الموظف الحكومي. إلا أن ما أثار الدهشة وعقد الألسن هو تأجيل هذه الندوة نتيجة اعتذار وزارات الخدمة المدنية في بعض الدول معللة ذلك بعدم وضوح الرؤية وكون موضوع الندوة يندرج تحت المواضيع المختصة بوزارة الصحة. وتضع أسباب التأجيل علامات استفهام وتعجب حول إلمام وزارات الخدمة المدنية بمسؤوليتها تجاه الموظف الحكومي وحول دورها المرتقب في حال تطبيق التأمين الصحي التعاوني على الجميع مقيمين ومواطنين. فالموظف الحكومي حاله كحال الموظف في القطاع الخاص يجب أن يولى العناية والاهتمام وتوفر له البيئة المناسبة التي تتيح له الإبداع في العمل ورفع الإنتاجية وزيادة الجودة في الأداء ومن أهمها الحصول على خدمات صحية متميزة وميسرة. ووزارات الخدمة المدنية بصفتها جهة إشراف وعمل للموظف الحكومي يجب أن تدرس البدائل الفعالة لتوفير الخدمات الصحية لمنسوبيها تماما كما تفعل جهات العمل الخاصة. ورمي الحمل على وزارات الصحة لوحدها ناتج عن غياب الفهم الصحيح لواجب وزارات الخدمة المدنية تجاه منسوبيها وضعف التنسيق بين الوزارات التي تحمل نفس الهدف وهو خدمة المواطن، فمن الأولى تكثيف التعاون فيما بينها في النشاطات المشتركة التي تحقق الهدف ذاته والوصول عبر اللجان المشتركة وآراء المختصين في رسم الاستراتيجيات الصحية والمالية إلى وضع أسس ضمان صحي فعال للموظف الحكومي. إن توفير التأمين الصحي للموظف المدني هو أمر ملح ويزداد إلحاحاً في ظل سعي الدول الآن إلى اختيار التأمين بديلا ورافدا من روافد تمويل الخدمات الصحية وعاملا من عوامل مواجهة التكاليف المتزايدة والإنفاق غير المقنن وانخفاض مستوى جودة الخدمات الصحية. وعدم الاهتمام بالموظف المدني الذي يشكل النسبة الغالبة من تشكيلة القوى العاملة سيكون عائقا أمام وزارات الصحة في تركيز جهودها والاستفادة المثلى من مزايا التأمين الصحي وسيؤدي إلى اضطراب وخروقات في تحديد المستفيدين من الخدمة وسيحرم في النهاية الموظف الحكومي من ميزة اختيار مقدمي الخدمة الصحية وسيكون لزاما عليه القبول بما يقدم له من خدمات صحية حتى ولو كانت رديئة أو الاضطرار لإنفاق ما يملكه للحصول على خدمة جيدة توازي ما يحصل عليه الموظف في القطاع الخاص.وقد أعلن معالي وزير الصحة أنه بحلول عام 2007 سيتم تطبيق التأمين الصحي التعاوني على المواطنين وبحلول عام 2008 سيتم تغطية كافة المواطنين. ولكن السؤال هو عن مدى استعداد الوزارات والدوائر الحكومية في تغطية منسوبيها بتأمين صحي شامل؟ إن التطبيق الكامل للضمان الصحي التعاوني على المواطنين يتطلب إستراتيجية شاملة على مستوى الدولة توضح المسؤول عن توفير التأمين للموظف الحكومي وربما يتطلب الأمر دراسة إمكانية تطبيق تأمين صحي وطني (اجتماعي) على غرار ما يحصل في بعض دول أوروبا وفي الصين وغيرها من الدول التي تطبق التأمين الاجتماعي. ولكي تتضح الرؤية لا بد من إجراء الأبحاث والدراسات وعقد الندوات في آليات توفير التأمين الصحي للموظف الحكومي حتى لا يكون خارج التغطية. [email protected]