اطلعت على مقال الأستاذ أحمد بن عبدالرحمن الزكري المنشور في جريدة الرياض في العدد13332 يوم الجمعة الموافق 12 من ذي القعدة 1425ه بعنوان (إخضاع موظفي الدولة للتأمين الطبي)، وقد طرح الأستاذ الزكري اقتراحات بناءة ستساهم في وضع آلية لتمكين موظفي الدولة من الحصول على الخدمات الصحية الجيدة عن طريق الضمان الصحي. إن الزيادة في التعداد السكاني وزيادة الطلب على الخدمات الصحية توجب النظر في كيفية تقديم الخدمات العلاجية ومراجعة النظام الصحي القائم، ولا يخفى ذلك على المسئولين في وزارة الصحة فقد أظهرت تصريحات معالي وزير الصحة ومسئولي الوزارة ملامح نظرة مستقبلية لتحسين الوضع الراهن، ومن ضمنها الاهتمام بنظام الضمان الصحي التعاوني وسعي الوزارة إلى تطبيقه على المقيمين ومن ثم على المواطنين في المرحلة الثانية، والاهتمام بخصخصة المرافق الصحية لإشراك القطاع الخاص في تقديم الرعاية الصحية، وهي أمور ستعجل بتحسين الوضع الصحي الحالي الذي يعاني فيه المواطنون وموظفو الدولة من طول فترات الانتظار في أقسام الطوارئ وتأخر مواعيد المراجعات والعمليات في المستشفيات الحكومية إلى الدرجة التي يضطر فيها الموظف إلى التضحية بمدخراته والاستدانة أحيانا لتأمين علاج فعال وسريع له ولعائلته ويده تتحسس محفظته وعينه تترقب أن يفرج الله كربته. إن ما يحدث الآن من التوسع في إنشاء المستشفيات والمراكز العلاجية أمر يثلج الصدر ولكنه يقود إلى تساؤلات ؛ فهل ستستطيع الوزارة مواصلة تحمل تكاليف تشغيلها؟ وهل عدد المراكز العلاجية حديثها وقديمها يتناسب مع معدل النمو السكاني المرتفع والذي بلغ حتى الآن 3,28٪، إن الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب حلولا سريعة مستشرفة للتطورات والتغيرات المستقبلية، ولعل من أهم هذه الحلول البحث عن مصدر للتمويل وعن شريك موثوق يساهم في بناء وتشغيل وتمويل الخدمات الصحية، وقد سعت الوزارة إلى تشجيع مساهمة رجال الأعمال في القطاع الصحي وتأسيس (الوقف الصحي) بالتعاون مع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. ولكن الخدمات العلاجية أكبر تكلفة من أن تحتويها هذه المبادرات لذلك فإن أفضل ما يمكن الاعتماد عليه هو نظام الضمان الصحي التعاوني الذي طالت فترة تجربته رغم أن معظم دول العالم قد قطعت في تطبيق التأمين الصحي شوطا طويلا بما فيها الدول الخليجية التي زار إحداها الدكتور رضا بن محمد خليل مستشار وزير الصحة وصرح عند زيارته لدولة الكويت الشقيقة بأن وزارة الصحة السعودية حريصة على البدء من حيث انتهى الإخوة في مجال التأمين والضمان الصحي. لقد كثر الحديث مؤخرا عن أهمية ومزايا الضمان الصحي التعاوني ولكن آلية تطبيقه ظلت غير واضحة المعالم، والتخوف من رفض الموظف الحكومي لفكرة الاستقطاع المالي من مخصصه الشهرية ظل عائقا أمام التطبيق، وخوف الموظف مبرر من هذه الناحية؛ فراتبه الشهري بالكاد يغطي مصاريف بيته فكيف يطالب بتحمل مبالغ نظير علاجه الذي كلفته له الدولة. هذا الخوف يجب أن يعالج بشئ من الحكمة عند تطبيق الضمان الصحي التعاوني على الموظف الحكومي وهناك فسحة من الحلول لضمان تمويل العلاج المقدم بدون المساس بمرتبات موظفي الحكومة، من هذه البدائل كما ذكر الأستاذ الزكري استقطاع جزء من ميزانية وزارة الصحة لصالح تمويل الخدمات العلاجية المقدمة عن طريق دفع رسوم الضمان الصحي إلى شركات الضمان الصحي التعاونية، وأقترح هنا إنشاء صندوق حكومي لتوفير الضمان الصحي للموظفين كما هي الحال مع صندوق التأمين الصحي التطوعي في ألمانيا أو ما يسمى (Voluntary Sickness Funds)، على أن يتم تمويل الصندوق عبر ما ذكر من استقطاع لميزانية وزارة الصحة بالإضافة إلى عائدات تأجير أو بيع المرافق الصحية الحكومية على القطاع الخاص. وفي هذه الحالة فإن دور وزارة الصحة سيكون مركزا على توفير الخدمات الصحية الوقائية وتمويل الأبحاث والدراسات الصحية والإشراف والرقابة على الخدمات العلاجية والصحية وأطراف العلاقة التأمينية من مؤمن ومؤمن عليه ومقدم الخدمة العلاجية، وهذا الدور يتطلب تكثيف الجهود لتنمية مجال البحث الصحي وتفعيل التوعية الصحية الوطنية وتطوير العملية الرقابية والإشرافية بالتعاون مع مجلس الضمان الصحي التعاوني؛ وهي العملية التي تحتاج لمزيد من التطوير والتحسين مثل وضع الأنظمة والتشريعات والواضحة لفض النزاعات القانونية والتبيان حقوق المستفيدين ومقدمي الخدمة الصحية وشركات الضمان الصحي التعاوني، وإنشاء هيئة مستقلة أو تابعة لمجلس الضمان الصحي التعاوني لاعتماد مقدمي الخدمة الصحية بالتعاون مع هيئات الاعتماد الدولية كالجميعة الأمريكية لاعتماد المرافق الصحيةJoint Commission on Accreditaion of أو منظمة الاعتماد الكندية Canadian Council on Health Services Accreditation. ولقصر الحديث حول التمويل والجوانب المالية للضمان الصحي التعاوني فإني أؤكد على ماذكره الأستاذ الزكري من وضع نسبة تحمل (Co-payment) يقوم المستفيد بدفعها عند الاستفادة من الخدمات العلاجية ويراعى عند وضعها أن تكون غير مكلفة وأن تكون قادرة على الحد من الإسراف في استخدام الخدمات الصحية، وأسوق للدلالة على فائدة نسبة التحمل قصة ذكرها وزير الصحة في أحد اللقاءات عندما حدثه وزير الصحة العماني عن انخفاض تكلفة الخدمات الصحية بنسبة 45٪ بعد موافقة السلطان قابوس على فرض رسم على المريض بمقدار ريالين عمانيين عن كل زيارة. وأخيرا فإن الضمان الصحي التعاوني بمفهومه الشرعي الذي يتجاوز عيوب التأمين الصحي التجاري سيكون قادرا بإذن الله على توفير الخدمات الصحية والطبية للجميع بجودة أعلى وبتكلفة أقل، ومعظم المختصين والمهتمين بالنظام الصحي متفقون على أهميته، إلا أن السؤال المطروح هو متى سيعلق الجرس؟، إن عامل الزمن مهم في تطوير النظام الصحي فلكل يوم تكلفته ولكل شهر ملايينه ولكل سنة ملياراتها، ويبقى أن نستفيد ونتعظ من تجارب الآخرين للوصول إلى الصيغة النهائية أو شبه النهائية لنظام وضمان صحي فعال يحقق الفائدة ويرضي جميع الأطراف.