الذي يجعل المواطن الأمريكي أو الإنجليزي أو الفرنسي عميق الانتماء لمواطنته والفخر بها عدة أمور عملية ملموسة منها مكانة بلده على المستوى العالمي ودفاعها عنه في أي مكان كان في الدنيا، وخاصة سفارات تلك البلدان المتقدمة، لا يكاد يُحتجز مواطن لبلد متقدم - بجرم واضح - حتى يحضر مندوب سفارته فوراً محامياً عنه.. ونحن في المملكة العربية السعودية نفخر فعلاً وحقاً بوطننا لأنه أولاً مهد العروبة ومهبط الوحي ومقر الحرمين الشريفين ولأنه وطن مفخرة بكل المقاييس فقد حقق الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في هذا الوطن المملكة العربية السعودية أكبر وحدة عربية حقيقية منذ مئات السنين، حيث وحَّد هذا الوطن الكبير، ونهج سياسة الباب المفتوح التي سار عليها أبناؤه الميامين فأبوابهم مفتوحة أمام المواطنين في مكاتبهم ومنازلهم وهذا أمر معروف ومشهور ونادر الوجود في عالم اليوم، وحجم المنافع لكل المواطنين والمقيمين على ثرى هذا الوطن، حيث يستطيع أي إنسان في هذه البلاد التظلم أو المطالبة بحق فلا يقف في وجهه أحد، ولا توجد مراكز قوى كما هي موجودة في معظم بلدان العالم الثالث.. إن هذا بحد ذاته مفخرة حقيقية وسلوك راشد يعمِّق المواطنة في قلوب الناس بشكل عملي ملموس يعلم المواطنون أنه يكلِّف قادتنا وأمراءنا الكثير من الوقت والجهد والصبر ولكنه توفيق الله عزَّ وجلّ لهذا البلد الطيب وقادته الميامين ومواطنيه الكرام.. ٭٭٭ الموضوع الذي أريد الحديث عنه الآن، هو دور سفاراتنا في الخارج، في تعميق المواطنة وجعل كل سعودي يفتخر بانتمائه لهذا البلد، ويحس أن وطنه معه في الحل والترحال وفي الغربة يدافع عنه ويقف معه، فهذا دور أساسي وهام.. إن كثيراً من سفارات المملكة في الخارج لا تقوم بكامل واجباتها في رعاية ومساعدة المسافرين السعوديين، وبالتالي لا تسهم في تعميق المواطنة بالقدر المأمول، وذلك لعدة عوامل متراكمة منها: 1 - الفجوة أو لنقل الجفوة بين بعض سفاراتنا في الخارج وبين المواطنين المسافرين خارج المملكة ولهذه الجفوة أسباب مشتركة بين المواطنين أنفسهم وبين السفارات نفسها، فبعض المواطنين (يخافون) من سفاراتهم حين يخطئون، أو حتى حين يُنّصَبُ عليهم، وهذا عجب، عجب أن يخاف المواطن من سفارة بلاده التي هي مأمنه ونصيره!!. إن السعوديين حين يسافرون مستهدفون بالنصب وتلفيق القضايا لبعضهم بغرض الابتزاز المالي، وبعضهم يخضع للابتزاز ويلجأ للسفارة!!.. بل إن بعضهم مستعد لدفع المزيد لمبتزيه بشرط عدم إشعار السفارة!! إن هذا جهل فاضح!.. ويدل على أن تصور كثيرين للسفارات ودورها مغلوط.. ونأمل من وزارة الخارجية (القيام بحملة توعية كبيرة بدور السفارات في رعاية السعوديين المسافرين ومساعدتهم). 2 - اعتياد كثير من موظفي السفارات على عقلية (موظف الحكومة) الذي يتسلط ويعقد المراجع، وهي عقلية مغلوطة تسود عند كثيرين من موظفي الحكومة في الداخل والخارج ينبغي تصحيحها وبالذات لدى موظفي السفارات. 3 - اتكالية كثير من المسافرين وعدم تخطيطهم المسبق لبرنامج السفر، فيكون جاهلاً بأنظمة البلد الذي يسافر إليه، جاهلاً حتى بمقر سفارة بلاده وأرقام هواتفها. 4 - انتشار ظاهرة السفر لدى السعوديين بشكل كبير. إن السعوديين خاصة، والخليجيين عامة، من أكثر شعوب العالم الآن أسفاراً إلى مختلف أنحاء العالم، وخاصة في فصل الصيف الحار، لما أفاء الله به على بلداننا من الخير الوافر، وإنني لأظن أن شعوب دول مجلس التعاون أكثر شعوب الأرض سفراً على الإطلاق، نسبة إلى عدد السكان، فأمريكا - بكل ثروتها وقوتها وعشق أهلها للسفر - أكثر من ستين في المائة من مواطنيها لا يملكون جوازات سفر أصلاً، أما السعوديون والخليجيون فهم أسفار في الشتاء والصيف، عائلات وأفراداً، وهذا ما يضيف أعباء كثيرة وكبيرة على سفاراتنا في الخارج، فإنه كلما كثر عدد المسافرين كثرت بالطبع الحوادث التي تقع منهم أو تقع عليهم، سواء كانت تلك الحوادث جنائية أو مرورية أو مشكلات مختلفة مادية أو غير مادية. إن هذا أحد الأسباب التي جعلت بعض سفاراتنا في الخارج لا تقوم بواجباتها على ما يرام إزاء السعوديين الذين يُحتجزون لسبب أو آخر، والذين يقعون في مشكلات أياً كانت تلك المشكلات، فقد لا يحضر مندوب السفارة للوقوف مع مواطنه إلا متأخراً جداً، وقد لا يتحمس للدفاع عنه كما ينبغي له، حتى وإن كان المواطن السعودي قد أخطأ فإن مهمة محامي السفارة أن يحصل له على أخف العقوبات النظامية الممكنة، وأن يشعره أنه - هو والسفارة - معه ويدافع عنه. بعض سفاراتنا لها دور مشرِّف جداً في هذا المجال، ويعمل على تعميق المواطنة لدى السعوديين الذين يتواجدون في ذلك البلد ويحتاجون لسفارة بلدهم لسبب أو آخر. وبعض السفارات على العكس من هذا لا تقوم بواجبها المطلوب والحيوي في مثل هذه الأمور، حتى في أسهل الأشياء، وأنا شخصياً لم أراجع في حياتي أي سفارة من سفارات بلادي إلا لتسجيل الجواز والحمد لله، ومع ذلك وجدت فرقاً هائلاً بين سفارة وأخرى، في سفارة المملكة في لندن مثلاً وجدنا استقبالاً بشوشاً طيباً أشعرنا بدفء الوطن وأننا مع أهلنا، وأنجز تسجيل الجواز بسرعة ومحبة وأعطانا المسؤول (كرته) وفيه كل أرقامه مرحباً بأي أمر نريد منه.. وقد كسب الجميل وزادنا حباً لوطننا فوق حبنا له ولم نخسر شيئاً فلم نرزأه ولم نتصل به لأننا والحمد لله لم نحتج لذلك.. ولكن في سفارة أخرى - ولا داعي لتسميتها - ذهبت لتسجيل جوازي فأخذ الموظف هناك - وهو غير سعودي بل من جنسية البلد الذي فيه السفارة وهذا منذ سنوات - أخذ يقدم مواطني بلده عليّ رغم وصولهم بعدي ثم سجل جوازي بجفاء ودون حتى ابتسامة ترحيب لا تكلِّفه شيئاً وهي تنفع المراجع كثيراً. قد تكون الأمور تغيرت في تلك السفارة وتمت السعودة.. أو لا تكون .. لا يعنيني أمر سفارة بعينها.. الذي يعنينا جميعاً هو أن تقوم السفارة السعودية - في كل بلد - برعاية مواطنيها القادمين لذلك البلد، وحُسن الاستقبال حين زيارة السفارة لتسجيل جواز أو لأمر آخر، وما هو أهم هو مبادرة السفارة إلى الدفاع عن المواطن السعودي حين يقع في إشكال قانوني عامداً أو جاهلاً، فإن الإنسان معرض للخطأ في كلِّ مكان، ومعرض لمن قد يبتليه ويلفق له قضية هو مظلوم فيها، وليس لهذا المواطن المغترب - بعد الله عزَّ وجلّ - إلا سفارة بلاده، وبقدر وقوفها معه، وتفهمها وضعه، ودراستها لحالته، والترافع عنه حتى ولو كان مخطئاً كما أسلفت، بحيث لا تُوقع بحقه أشد العقوبات لأنه وحيد غريب مثلاً. ٭٭٭ وللحق فإنه لكي تقوم سفاراتنا بواجباتها نحو المواطنين حين يسافرون، ينبغي دعمها بالمزيد من الموظفين الجيدين والمحامين المهرة بقانون البلد الذي يقيمون فيه، فإن عدد المسافرين السعوديين مهول، ويزيد عاماً بعد عام، مع زيادة عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة، واعتيادنا نحن السعوديين على عدة أسفار كثير منها في الواقع لا لزوم لها أبداً. ولكن هذا هو الحال، وهو ما يلقي على سفاراتنا في الخارج المزيد من المسؤوليات الجسيمة، ويجعلها تواجه - وسوف تواجه - المزيد من القضايا والاشكالات لمواطنيها في بلاد الغربة، فيحسن دعم سفارات المملكة - وخاصة في الدول التي تتكثف أعداد المسافرين السعوديين لها - بالمزيد من الكفاءات المخلصة فإن هذا من حقوق المواطن على بلاده، وأنه مما يعمق المواطنة لديه، ويشعره بالانتماء أكثر، ويُشْربه حب التفاني في خدمة وطنه والحرص على سمعته والاعتزاز به.. بل إنه أمرٌ يخجل المخطئ حين يخطئ فالجميل يملك الحر.. ٭٭٭ لنقرأ ما هو مكتوب على جوازنا السعودي الأخضر الذي نفخر به ونحبه ولنا معه أعطر الذكريات .. مكتوب بالنص: «باسم ملك المملكة العربية السعودية أطلب من موظفي المملكة المدنيين والعسكريين وممثليها في الخارج ومن كل سلطة أخرى تعمل باسمها ومن السلطات المختلفة في الدول الصديقة أن يسمحوا لحامل هذا الجواز بحرية المرور.. وأن يقدموا له المساعدة والرعاية» إن الدولة ما قصّرت أبداً.. ولكن «بعض» موظفي السفارات يُقصِّرون، ونأمل أن يختفي هذا التقصير.