كتبت قصيدة شهرزاد في منتصف الثمانينيات، وكان احتفاء النقد بالأعمال الإبداعية آنذاك في ذروته. وكذلك كان الحراك الثقافي. وقد ساهمت الملاحق الثقافية في خدمة النشاط الأدبي والفني. مع ذلك فإن الفضل في شهرة أي نص يعود للمتلقي ولجمهور الأمسيات الشعرية. وعلى أية حال فقصيدة شهرزاد من نصوصي الشعرية المبكرة والأثيرة لدي، وهي من قصائد ديواني الأول (زيتها وسهر القناديل). وكشاعر يتصيد اللحظات الهاربة ويرميها في نهر الكلمات، حاولت عبر هذا النص الراشح بالحنين إلى تلك اللحظات أن أقاوم النسيان. أو بتعبير آخر: شيَّدت بذلك النص قصرا من الكلمات، وأسكنت فيه من أحب. كما يعبر أحد الشعراء. وقد تناول الشاعر حلمي سالم قصيدة شهرزاد ضمن قراءة موسعة عن الديوان، وأشار إلى هيمنة فكرة الزمن فقال: "في مجتمع صحراوي تتمدد فيه الأزمنة حتى تنداح، بينما يصارع الشاعر طبيعة هذا المجتمع من أجل أن يصبح الزمن حيا نابضا يتجاور فيه نمطان للحياة النمط الصحراوي والنمط المدني الحديث.. النمطان هنا زمنان يتصارعان ويتناقضان ويتجادلان. وفي هذا التناقض تتفتت لحظات المكان وتتجزأ، فلا تغدو تاريخا متصلا متكاملا." وبعد: لشهرزاد دلالاتها الأسطورية. وفي حكاية شهرزاد انتصار للغة والخيال على صرامة الواقع وتعسفه. وبالطبع فإن اللغة المقصودة هنا هي لغة الإبداع، وليس لغة العرضي والزائل أو لغة المنفعة المباشرة والمتداولة. مع ذلك فإن قصيدة شهرزاد ليست وليدة مخزون ثقافي أو توظيف للأسطورة، بل نتاج تجربة حية انعكس تأثيرها على كثير من قصائد الديوان الأول. شهرزاد إنها اللغةُ العبقريةُ عشٌّ دفيءٌ.. وطنْ وطنٌ إنما من ثوانٍ قصارْ الثواني تجدّد إيقاعَ رقصتها كلما نثرت نجمةٌ أَلْقَ فضتها في جبين المساء المساء امتدادٌ قصيرُ المسافة.. المسافةُ بين الحضور وبين الغياب زمنْ الحضور زمنْ والغياب زمنْ وَلِطلْعتها زمنٌ خارجَ المفرداتْ فارمِ وجهَ الفلاةِ بها نبتةٌ تتمادى.. تتيه اخضراراً إذا شمسُ نوّار مسَّتْ مفاتنها فالأريجُ جنونٌ بعيدُ المدى زمنٌ إنّما من نَدَى يستفزُّ خيالَكَ هذا الصهيلُ الجميلُ فتغشى لياليها الألفَ ترمي على صوتها الذكيِّ التَّعبْ غابةٌ من جميلِ الكلامْ أجملُ التيه تيهٌ يثير الخيالَ إذا ما الزمان نَضَبْ هَجَرَتكَ القوافي وها صوتُها يعيدُ بناءَ القصيد على شفتيك ويذكي جنونَ الطربْ لا تسافر بعيداً ولا تنتخبْ موطناً للسَّمرْ سوف تأتيك كلُّ المدائنِ كلُّ الجهاتِ وكلُّ البشرْ تتكاثر تلك الصّبيةُ حتى يصيرَ المساء ألفَ نهرٍ ونايٍ .. ونافذةٍ .. وقمرْ للمساءِ على فمها نكْهةٌ غير أن المساءَ امتدادٌ قصيرْ قصةٌ.. قصتانْ.. ثم يقذفك الوقتُ ثانية للعراءْ - كم تبقَّى من الوقت سيدتي؟ - ليس في الوقتِ متّسعٌ للغناءْ لجنونكَ تعويذة أنْتَ تعرف أسرارَها شهرزادكَ ليستْ ككلِّ النساءْ إنَّ من عانقَ الشمسَ لا يرتضي بنصفِ الحقيقةِ أو هامشٍ من ضياءْ كلُّ شيء سواها مكابدةٌ وعناءْ لم تكنْ ربَّةُ الحُسْنِ إلا كَلَمْحِ البصرْ نشوةٌ عابرةْ كأسكَ الآن فارغةٌ.. فرَّتْ القبّرةْ أفلتتْ من يديكَ كما يفلت الوهمُ.. وها أنتَ تصطادها لحظةً .. لحظةً وتؤلفها كِلْمةً .. كِلْمةً.. وتسائلُ عن طيفها الذاكرةْ موحشٌ بردُ هذا المساءْ فاطلبْ الدفءَ في المحبرةْ اطلبْ الدفءَ في المحبرةْ