شعراء كثر لديهم الجدة في الشعر وليس الحداثة ولو اجتاز أحدٌ جرأة التراث لأقيم عليه الحد! للغة سيادةٌ كبرى في معجم حسن السبع، شعراً كان ذلك أو سرداً أو حتى في ما يكتب من مقالات وهو الذي تهجى الشعر العربي الفصيح، طفلاً على لسان والده الذي كان مسكوناً بقصائد إليا أبو ماضي؛ فاللغةُ عند هذا الشاعر، بمثابة وثبة ممتدة من عمق ثرى التراث العربي وحتى لحظة الحداثة الشعرية، مقدماً كل أشكال القصيدِ، دون أن يتبرأ أو يئدَ تلك القصائد الساخرة والتي بلا شك تنتمي إلى شخصيته الضاحكة والمحبة للحياة. في هذا الحديث الصحفي إذن، نصحب حسن السبع في نزهة حدائق الأدب والكتابة منذ الصبا وحتى نشره أول أقصوصة في مجلة اليمامة نهاية السبعينيات، وصولاً إلى روايته الموعودة (ليالي عنان) والمستلهمة من "الوله العباسي" الذي لطالما تجلى، في خطاب حسن السبع الشعري والأدبي؛ حيث يبوح لنا بسر تلك الغفوة التي انتهى إليها وهو يحتضن في مكتبته، كتاب "الأغاني"، ليجد نفسه في دهاليز صالونات الشعر العباسي في القرن الثاني الهجري، ملتقيا هناك الشخصية الرئيسة في روايته.. إنها عنان الناطفي. وحول موضوعات السيرة والحب والحياة والتجربة الإبداعية، جاء هذا الحوار الذي أجري في مكتبة بيت الشاعر السعودي حسن السبع: الطفولة.. والشعر * متى سمعت الشعر أول مرة في حياتك؟ - مذ كنتُ صغيراً، حدث ذلك في بيتنا وتحديداً على لسان والدي الذي كان يحفظ ويردد شعر اليا أبو ماضي وبولوس سلامة، حتى اعتدت على ذلك، عندما كان يجلس ويردد قصيدة الطين لإيليا أبو ماضي. * ومن أين جاءت مصادر والدك الشعرية؟ - والدي كان يقرأ ولا يكتب، ككثيرين من ذلك الزمن. تعلم القراءة ولم يتعلم الكتابة. كنت أصغي منه قصيدة، (الطين) التي تقول: نسي الطين ساعةً أنه طينٌ حقيرٌ فصال تيهاً وعربد/ وكسا الخز جسمه فتباهى وحوى المال كيسه فتمرد. وكان والدي يحتفظ بدواوين اليا ابو ماضي وكان عاشقا لحكمة هذا الشاعر اللبناني الكبير. وأيضا كان والدي صديقا في ذلك الوقت لكثير ممن كانوا يعتبرون في ذلك الوقت، نخبة في المجتمع، كالشاعر عبد الكريم الحمود وعبد الله مكي اليوسف، والد الكاتب يوسف مكي وآخرين. إلى جانب وجود بيت عبد المحسن النصر الذي كان يفتتح فيه، درسٌ للنحو والصرف، يقدمه الأستاذ عبد النبي النصر، وكان يمر على هذا المجلس نخبة المجتمع، من كتاب وأدباء وشعراء ومثقفين. * تعني أن لوالدك أثرا مهما في تكوينك الثقافي والشعري؟ - بالتأكيد، لقد زرع فيّ روح التحليق الحر في الفضاء، وهو قد ابعدني وحماني عن التزمت. * وماذا عن أول مكتبة؟ - كان ذلك في بيت النصر أيضا، حيث دخلت ووجدت مكتبة مدهشة، وأتذكر أني سألت صديقي باقر النصر عن هذه المكتبة وهذا الكم من الكتب، فأجاب: هذه كتبٌ للوالد وأجابني ببيت من الشعر: "وعند الشيخ كتبٌ من ابيهِ مصففة ولكن ما قراها". قاصداً نفسه طبعاً. وهنا بدأت شخصياً اقرأ وأنهل من هذه المكتبة الكبيرة وشبه الوحيدة في البلدة آنذاك (مدينة سيهات، بالمنطقة الشرقية). لقد كان بيت الأديب والخطيب عبد المحسن النصر، البيت الذي فتح أذني على موسيقى الشعر. وقد كان هذا المجلس ساحة لقاء الأدباء من البحرين والأحساء والقطيف في الخمسينيات. * في أي عام، دخلت هذا المجلس؟ - في العام 1958 ميلادي. * أول بيت شعر قلته، كيف ومتى؟ - كنا نجلس في مجلس مكتظ بالأدباء وعشاق الشعر. وكنا وقتها نتساجل الشعر مع الأكبر سنا. وكنت عندما ينفد رصيدي من أبيات الشعر التي أحفظ، أؤلف الشعر دون أن اسمع أي اعتراض من الأدباء والكبار في المجلس. ولكنهم لم يكونوا يعرفون من هو قائل هذه الأبيات المرتجلة من قبلي. * إذن، وقتها، أخذت نوعا من الشرعية الشعرية؟ - قلت في نفسي، موزون ومقفى ولم يعترض أحدٌ عليه واجتاز أذنهم النقدية، لتصبح وكأنها خربشاتي الأولى في الشعر. * وكانت البداية.. شفهية؟ - أجل.. أجل. ثم بدأنا نكتب الاخوانيات بين الأصدقاء. * انصب اهتمامك على الشعر الفصيح في وقت كانت السيادة للشعر المحكي؟ - نحن لم نجرب المحكي أبدا، كان المحكي لخطباء المنابر. * وماذا عن علاقتك بالشعر الحديث، وكيف بدأ؟ - في الستينيات كانت لدينا "صومعة" نلتقي فيها لنقرأ قصائد الشعر الحديث من نازك الملائكة وحتى نزار قباني. * متى بدأت تدون الأشعار وتحفظها في دفترك الخاص؟ - في الستينيات. * ولكنك لم تنشر الشعر أو تلتفت إلى هذا الأمر إلا في نهايات السبعينيات.. لماذا؟ - أنا من النوع الذي يخاف من القارىء، وأتذكر ذات مرة حاولت النشر وأرسلت قصة إلى جريدة محلية في نهاية الخمسينيات، ويبدو لي آيديولوجيا لم تصلح لهم. ولم تنشر، ليس لأسباب فنية لأنها كانت فوق مستوى الجريدة في تلك الأيام وإنما لأنهم لم يستسيغوا مضمون القصة، الذي كان يتضمن وعظاً بعض الشيء حول العمال ووقتها كان الحديث عن الحركة العمالية..الخ. * هل تحتفظ بالقصة؟ - لا للأسف، وقتها كنت أعمل في مطار الظهران، وكانت تتحدث عن العامل البسيط والحب وكيف أن الحب يذيب الفوارق الاجتماعية. واستمررت أكتب قصصا قصيرة ولا أنشر حتى سافرت إلى فرنسا عام 1977، ونشرت في مجلة اليمامة عام 1978، بعد أن أرسلت لهم من هناك مجموعة قصص. * وعلى ذكر فرنسا، ماذا عن مؤلفات الأدباء الفرنسيين الذين كنت تحصل على كتبهم في مطار الظهران منتصف الستينيات؟ - أجل، كنت وقت الظهيرة أسكن في غرفة مصفحة، في مطار الظهران تحت لهيب الشمس، ولدينا فقط مروحة، وفي فترة الظهيرة، بين دوام الصباح والمساء، كنت أجلس وأقرأ كتب سارتر وسيمون ديفوار وكثير من الكتب التي كانت تصل من مصر وتمنع في المطار. وأتذكر أني غبت عن العمل يوما كاملا لأني أردت أن اكمل رواية إحسان عبد القدوس (في بيتنا رجل) والتي تقع في 1000صفحة. * متى بدأت نشر الشعر، صحفيا؟ - هذا جاء متأخراً، في العام 1985، وجريدة الرياض نشرت لي أول قصيدة، بعنوان (النجمة). * وكيف حدث ذلك؟ - في ذلك العام اتصلنا أنا والدكتور عبد الله الشويخات بالدكتور سعد البازعي وأخبرناه نيتنا اللقاء به في الرياض، بالفعل زرناه، في الرياض، حيث استقبلنا ومعه كوكبة من مثقفي وأدباء الرياض الحداثيين، من كتاب القصص والشعراء وغيرهم، وقد قرأت قصيدة (التفاتة إلى الثواني الحية) ومن ثم التقينا الكاتب محمد رضا نصر الله، الذي اتفق معنا أن ننشر في الملحق الثقافي بجريدة الرياض وبدأت أكتب في زاوية بعنوان (الكلمات). * إذن كان عام 1985 عام الوصل بالمثقفين؟ - اجل أصبحوا يزوروننا في الشرقية ونزورهم في الرياض ومن ثمة بقية مناطق المملكة مثل الشاعر علي الدميني ومحمد عبيد الحربي وآخرين غيرهم وتوطدت العلاقة وأثمرت عن تواصل ثقافي وأدبي خلاق. أجل قد يكون التواصل متأخرا، ولكن كنا في الخارج ندرس ولم يكن الاتصال بالسهولة كما هو اليوم. قصيدة حب * أول قصيدة حب.. كتبتها؟ - شهرزاد عام 1984 وكتبتها في أمريكا. * تعني أن شهرزاد كانت امريكية؟ - (يضحك) لا عربية، التقيتها وكانت هي من ولد شعلة هذه القصيدة التي كتبتها في ولاية إنديانا. * هل أحببتها أم مجرد اعجاب؟ - والله.. صار كالعشق.. اتصالات ونرى بعضاً. * طبعا لم يكن اسمها شهرزاد، وإنما انت من وهبتها هذا الاسم؟ - أجل، (شهرزادكَ ليستْ ككلِّ النساءْ/ إنَّ من عانقَ الشمسَ/لايرتضي بنصفِ/ الحقيقةِ أو هامشٍ من ضياءْ/ كلُّشيء سواها مكابدةٌ وعناءْ) كما تقول القصيدة. * وهي نفسها القصيدة التي احتفى بها الشاعر محمد العلي؟ - أجل، وببيتها الأخير (موحشٌ بردُ هذا الشتاء/ فاطلب الدفء في المحبرة). غواية التراث * دائما ما ألاحظ "التناص" والاتصال في قصائدك بين شعرك والشعر العربي القديم، الذي يحظر بين علامتي تنصيص.. ما سر هذا التناص وهذا الاحتفاء بالقديم من الشعر؟ - يعود للالتقاء في المعنى بين الذي اقصده أو أعارضه في قصيدتي وتلك القصيدة القديمة. * ولكن هنالك التقاء دائم مع هذا الموروث الهائل من الشعر القديم.. أنت تكتب قصيدة حديثة ولا تزال تتباهى بحبك لذلك الموروث؟ - انظر، مشكلتنا في الذين قفزوا على القديم، أو ارادوا "قتل الأب" أو نقض الماضي كما يقولون. أقول: أنت لا تستطيع ان تنقض شيئا لا تعرفه، وما قرأته، ولا أن تهدم بناءً لم تره أو تقوض شيئا لا تستطيع ان تبني مكانه شيئا. لنأخذ التجربة الصينية في الحداثة، لقد انطلقوا من القديم واتخذوا التراث نقطة انطلاق إلى المستقبل. أما نحن فلدينا مشكلة، من اهتم بالتراث، سجن نفسه فيه ولم يخرج منه وليس نقطة انطلاق. نحن لدينا جذور وقصائدنا اليوم ليست مقصورة على ذاكرتنا وعما قرأنا. كثير ممن يتعالون على الماضي لم يقرأوا الماضي الشعري العربي ولم يفهموه أبدا. أبو نواس حداثي وسيبقى حداثي إلى ماشاء الله.. وهو أكثر حداثة من كثير من شعراء هذه الأيام؛ ثمة فرق بين الحداثة والجدة، هؤلاء لديهم الجِدة.. قصائد جديدة ولكن ليست حداثية.. مازالت فيروز تغني أبو نواس (يبتسم). وبخصوص مسألة التناص مع التراث، أجل هذا موجود، لأني احترم الذاكرة واعتقد أن هذا التراث، له فضلٌ علي، في تكويني الثقافي ولا أستطيع إنكاره أو البدء من الصفر. * تفتح وعيك الشعري بداية الستينيات وهي الفترة التي شهدت الكفر بالتراث الشعري التقليدي، كيف تلقيت هذا الوعي الشعري الجديد.. وألم يؤثر فيكم؟ - هو ليس كفر وانما تجاوز وأنا مع التجاوز. لا تسجن نفسك في التراث، خذ ما فيه من الجميل واستوعبه. إن في التراث جرأة لا أحد يستطيع اجتيازها. من يستطيع اليوم كتابة كتاب كالأغاني لأبي الفرج الاصفهاني أو (الحمقى والمغفلين) أو (الظرف والظرفاء) لابن الجوزي أو ما كتب المعري ولا يقام عليه الحد أساساً؛ هذه قصص من التراث ولا تستطيع الاستشهاد بها حتى اليوم. من يقول بإلغاء الماضي الشعري، تماما والخ..، ليس ناضجاً، ومن يريد أن يقدم شيئا جديداً فأهلا به لأننا لا نريد نسخة كربونية من أبي تمام. شخصية.. لا صدامية! * كيف تنظر لزحام الشعر.. أنت كتبت الشعر في زمن لم يكن بهذه الكثرة؟ - مع كل من أراد أن يجرب حظه، في أيام المتنبي ظهر شعراء بالآلاف.. ولم يبق إلا أثر المتنبي وقلة ممن عاصروه. وفي العام (170 هجري وصعودا) ظهر أبو نواس وبشار بن برد.. وهكذا لم يخلد غير شعر هؤلاء النخبة. * لاحظت أنك لا تميل إلى الصدام في كتاباتك الثقافية ولست حاداً ولا تحبذ استفزاز الآخرين.. لماذا؟ - هؤلاء الحادون في أسلوبهم والصداميون، هل قالوا أكثر من الذي قلته، هل بلغوا أكثر مما أستطيع أن أبلغ أفكاري. أبلغُ وأنشر أفكاري وأقولها كلها ولكن ليس بتلك الحدة. أنا من النوع الذي يضع أفكاره كالدواء الذي يغلف بطبقة بسيطة من السكر والدعابة والسخرية، وهذه الكبسولة يبلعها المريض لكن داخلها مرٌ كثير. وهذا يعتمد على قدرة الكاتب على التوصيل وهذا فيه صعوبة؛ ثمة أناسٌ يحبذون الصدامية وحتى العدوانية. ولكن الثقافة تهذيبٌ قبل أي شيء. وينبغي للمثقف أن يكون مهذباً، لا يعني أنه إنسان يساوم على أفكاره أو يتنازل عنها. السبعُ.. ساخراً * ثمة سخرية في كتاباتك إما في الصحافة المحلية، ككاتب رأي.. أو أيضا كشاعر قدمت الشعر الضاحك، في حين أن الشعراء عادة يميلون إلى المحافظة على "الكاريزما" أو "البرستيج الشعري".. ألم تخشَ أن تضحي بسمعتك الشعرية وانت تنشر الشعر "الحلمنتيشي"؟ - هذا قيل لي، وقيل ان هذا اللون من الشعر "سيجني على تجربتك الجادة". انظر أنا أقول أن كل أديب.. (كل أديبٍ.. أديب) لديه في أدراجه شعر من هذا النوع، ولكن بعضهم يخبئه في الأدراج ويخشى ان يظهرها، لكني وجدت أن لدي كما هائلا من القصائد "الحلمنتيشيات" ووجدتها مرغوبة عند أناسٍ كثر، ولها رواج في الانترنت لو وضعت (ديوان ركلات ترجيح) على غوغل، هنالك كثير من الشعراء ابتدأوا هازلين وبسبب مثل هذه الملاحظات والانتقادات انتهوا جادين. لماذا التعالي على شعر الفكاهة؛ كثير من تراثنا شعرٌ ساخر، كما يصف بن الرومي، منشدا: يقتِّر عيسى على نفسه, وليس بباقٍ ولا خالدِ. فلو يستطيع لتقتيره, تنفَّس من منخرٍواحدِ. لدينا في تراثنا الحديث أيضا كالشيخ المصري عبد العزيز البشري (توفي 1943) وعبد الحميد الديب وأحمد شفيق. * وهل لديك نية نشر قصائد ضاحكة أخرى؟ - أجل، تلك القصائد التي لم تنشر في (ركلات ترجيح) وبعد أن تتجمع سأصدرها في ديوان آخر.. لا يهمني (يضحك). ولأني وجدت أن هذا ما يحبه الناس، فضلا عن أن فيه نقداً اجتماعيا هازلاً من الروح الاستهلاكية، مثلا، كما تقول القصيدة: ألا ليت ليلى للنصيحة تسمعُ/ وتصغي لقيسٍ عندما تتبضعُ/ ففي رأسها عند التبضعِ ماردٌ طويلٌ، عريضٌ مستبدٌ مربعُ، تجيءُ إلى الأسواق من أجل إبرةٍ/ وتخرج في يديها المجمعُ. أنا أقرأ هذا اللون على أدباء ومثقفين كبار، ويستأنسون به، ويقولون هذا فن. وتقرأه على مبتدىء الشعر، فيتذمر. وأتذكر أن أحدهم قال لي في الثمانينيات ماذا تكتب؟! كان هذا ممن أخذ الحداثة وكأنها سلسال يوضع على الرقبة (موضة). الحداثة أولاً سلوك، قبل أن تكون كتابة؛ الحداثة لا تعني أنك كتبت قصيدة نثر، أن تكون حداثياً. بينما أساتذة جامعات كبار، تساءلوا لماذا لا أنشر هذا الشعر الضاحك (كان ذلك قبل نشره)، لأن هذا النوع من الشعر هو فن بحد ذاته وفن صعب. لست مصلحاً.. أبداً * ننتقل للمقالة الصحفية اليومية.. إلى أي مدى تنازلت عن الكتابة الأدبية لصالح الاجتماعية اليومية؟ - عندما بدأت أكتب في صفحة الرأي. قبل ذلك، عندما كنت أكتب في الصفحة الثقافية بجريدة الرياض أو اليوم، لم اكن اتنازل عن المسائل الثقافية. عندما بدأت اكتب المقالة الاجتماعية وجدت أن ثمة جوقة من الكتاب تكتب عن حمى الضنك مثلا أو شوارع الدمام المغلقة..الخ؛ فقلت فلتنقص الجوقة كاتباً واحداً يأخذ مساراً مختلفاً ويغرد خارج السرب بطريقة مختلفة، فل ينقص البكاؤون بكاءً واحداً. * بمعنى، هل أردت تثقيف صفحة الرأي؟ - تثقيف النفس والشخصية البشرية، بدل ان اسفلت مطبات الطريق، اسفلت أحيانا المطبات النفسية، أنير بعض الشوارع النفسية المظلمة. هي مقالات تعلم ولها جمهورها الذي يتابع. وفي المقابل هناك من يأتي ويطلب مني أن اكتب عن الهم العام؛ أنا لست مصلحا اجتماعيا أولاً وليس لدي أمل في إصلاح البشرية، لأن غيري عجز عن ذلك واستغرب ممن يناقش قضايا ليست قضيته، قضيتك مسألة أخرى ربما انت لا تعرف عنها. هنالك كتاب، ما يسمعوه ليلا في الفضائيات، صباح اليوم التالي يعيدون كتابته على صفحات الجريدة. * إذن أنت تنحيت عن ملامسة اليومي؟ - لا، وإنما ألامسه بطريقة مختلفة. خذ مثلا، كيف أناقش مسألة، تعاملنا غير الحضاري مع المنجزات الحضارية (أجهزة تكنولوجية أو مرفق عام).. هنا لا أتناوله بالطريقة الوعظية وإنما اريد للقارىء أن يخرج إما بحكاية جديدة لم يسمعها أو معلومة لم يقرأها. أو اقتباسات وأتذكر أن أحدهم انتقد ذلك معللاً ان هذه فكرة مستوردة، وهنا استغرب: نحن نستورد من الإبرة إلى الصاروخ ونبني بيوتنا بطريقة غربية ولدينا كل شيء غربي ولكن عندما تأتي لمسألة الأفكار يأتي من يقول ان هذه الفكرة مستوردة. لايمكن أن تتسلل الأشياء المادية دون أن تتسلل معها ثقافة صاحب هذه الأشياء. أنت عندما تأكل البرغر أو ترتدي بناطل الجينز، فأنت أيضا أخذت واستوردت هذه الثقافة. وعموما، الآن الكرة الأرضية صارت ثقافتها وبيئتها واحدة تقريبا. الأديب والسياسة * التحولات والثورات العربية دفعت بكثير من الأدباء إلى الحديث والتعليق السياسي اليومي على الأحداث، أنت كيف تنظر للمسألة؟ - شخصيا اعتقد أن الأديب يحرق نفسه في هذه المعمعة لأنه في النهاية لا بد أن يصطف في جهة ما، أياً كان، وأحيانا يكون الاصطفاف عاطفياً. وأتذكر ذلك المشهد من رواية سمرقند عندما جاءت جيهان زوجة عمر الخيام وهي الموغلة في شؤون وألاعيب السياسة والتي كانت منفرة بالنسبة لعمر الخيام كشاعر متفرغ لمرصده الفلكي وأجوائه؛ وقد ذهب كل الساسة في زمانه وبقي شعر الخيام. * في ذات السياق، أحيانا يرى الأديب أنه ضمير المجتمع ويحتم عليه الأمر أن يكون لديه موقف أيضا؟ - أعتقد لا يوجد شخص ليس لديه موقف، أديبا كان أو مثقفا أو أياً يكن، والفرق هل يعلن هذا الموقف أو يحتفظ به، لنفسه على اعتبار أن هذه اللعبة ليست لعبته وأنها لعبة زائلة ومؤقتة وتنتهي. * والصمت موقف؟ - أيضا، مع انه أسوأ أنواع المواقف. حتى أن نيتشه يقول ان الخطاب الأكثر فجاجة ووقاحة أفضل من الصمت. * هل تتفق معي أن هنالك استغلالا للأصوات الأدبية والثقافية عندما تدخل السياسة على اعتبار، أنها لم تمتهن ولم تنخرط في الشغل السياسي وليس لديها هذه الدراية؟ - أعتقد أن ثمة جهة ما تستفيد من الأديب والمثقف عندما ينخرط في السياسة، لكن الأديب والمثقف لا يستفيد. بل يجني على نفسه. السياسة موجودة في كل مكان حتى بين الزوج وزوجته، كل حياتنا سياسة. ولكن أن تنجر وراء بعض المواقف الوقتية بينما العالم والجغرافيا تتغير. اعتقد أن الأديب لديه الجانب الأخلاقي والقيمة الجميلة وليس (الغاية تبرر الوسيلة) لا يمكن أن أسعى لعمل خير بأسلوب شرير. الكتاب الموعود * وماذا عن كتاب ليالي الناطفي الذي وعدت بنشره.. ألم يتأخر؟ - كتاب ليالي عنان (الناطفي سابقاً)؛ هذا العمل محكمٌ وليس من كتب "السلق" السريعة. الآن هو في مرحلة التحرير النهائي لدي، وقد استغرق وقتاً طويلاً، لأني استمتع وأنا اكتبه. * منذ متى ولدت فكرته؟ - كنت في مكتبتي أقرأ كتاب أبي الفرج الأصفهاني (الأغاني) وإذا بي أغفو وأسبح في عالم الأحلام. لأفيق على فكرة الرواية. حدث ذلك في نهاية التسعينيات. * لو تدخلنا إلى عوالم الرواية؟ - الكتاب هو أدب وتاريخ وفنتازيا وفيه إسقاطات على الحاضر. وفيه أرافق أنا من القرن العشرين، أبو الفرح الإصفهاني من القرن الرابع الهجري، لنعيش في القرن الثاني الهجري، وكلانا غريب عن هذه البيئة. ثمة سرد أشبه بالروائي ومشوق وفي العمل قصة حب. * تعني أن العمل ينتمي إلى الواقعية الفنتازية؟ - أجل بشخوص حقيقية، لأنه كتاب يمزج القصة والخيال بالفنتازيا والتاريخ عبر شخصية عنان الجارية والشاعرة التي سطع نجمها في العصر العباسي وتحديداً في القرن الثاني الهجري والتي تكون الشخصية الرئيسة في الرواية. * هل هي رواية تاريخية؟ - لا.. بل عملي متكئ على بعض الوقائع التاريخية، ويتخذ منها منطلقا للتعبير عن مسائل ثقافية واجتماعية معاصرة، وبالمناسبة، ثمة أجزاء نشرت مبكرا في صحيفة الرياض. * ومتى سيرى الكتاب النور؟ - قريباً. * هكذا إذن، بدأت بالسرد ونشر القصة وها أنت تعود مرة أخرى إليها؟ - أحب السرد. ولكن من يعبر عني وعن انفعالاتي بسرعة هو الشعر.