«أستاذة النحو» وقلق الأسئلة كما لا أتذكر لحظة ولادتي، فإنه يشق علي أن أتذكر لحظة ولادة القصيدة. رسالتها المثيرة جرس تنبيه لأمر مختبئ يحاول أن يجنح إلى الهروب نحو فضاءات مجهولة، ما يجعلني أتفق مع من يقول: كل نصّ لا يبدأ بأسئلة شائكة نصٌّ عابر. حضرت اللغة بكامل زينتها، يتقدمها السيّد النحو، بأمه وأبيه وفصيلته التي تؤويه، فانطلقت الذاكرة في خطابها المباشر: إنْ كنتِ مغرمة ً بالنحو واسيهِ ما ضَيَّعَ النحوَ إلا بعضُ أهليهِ عنوان القصيدة غير مفاجئ ولا صادم «أستاذة النحو»، ولا يقبل التأويل أو تعدد القراءات ؛ إنما ارتباط العنوان بموضوع القصيدة أكسبه شيئا من العلاقة الحميمة المتداخلة والمتنامية. لماذا اخترتُ «أستاذة النحو»؟ الخطاب في النص موجه إليها، ومنها استيقظ صوت اللغة الوقور في أحرفه الأولى حتى رفعتُ إحساسي بها عن آخر بيتٍ بفكرة جديدة لحروف العلة حين أصبح الحبيب معتلا اعتلالا كاملا : فاعتلَّ أوَّلُهُ واعتلَّ أوْسطُهُ واعتلَّ آخرهُ واعتلَّ باقيهِ في البدء كانت لفتة من الأستاذ الأديب: أحمد البهكلي، نائب رئيس نادي جازان الأدبي حينها ورئيس تحرير مجلة «مرافئ»، والذي اقترح نشرها في المجلة، وبعد نشرها حظيت بانتشار واسع عبر عالم منتديات الإنترنت، ومنها طارت بها الركبان. في أول اجتماع الجمعية العمومية للجمعية العلمية للأدب العربي طلب مني بعض المحبين إلقاءها في زمن التوقف الذي تخلل اجتماع الجمعية، وقد بارك فكرتها الحاضرون من أساتذة اللغة العربية بصفة عامة، والنحو بصفة خاصة. بعد ذلك زاد انتشارها عبر منتديات إلكترونية أخرى جديدة، وتداولها المهتمون عبر وسائل التواصل الحديثة. ولم أشارك في لقاء شعري إلا ويطلبها الجمهور. تعرض لها بعض النقاد بالدراسة والتحليل بين ناقد معجب وآخر ساخط، كما استشهد بها أستاذ النقد والبلاغة الدكتور: أسامة البحيري، في كتاب البلاغة المقرر على طلاب كلية اللغة العربية بجامعة جازان . وحتى هذه اللحظة وأنا أبحث عن سرّ الإعجاب بأستاذة النحو، رغم بساطتها ومباشرتها . لعلي أكتشف يوما ما هذا السر، أو يدلني عليه أحد. قصيدة الشاعر إبراهيم صعابي ، والتي عنوانها (أُستاذة النحو) ويقول فيها : إنْ (كنتِ) مُغْرمَةً (بالنّحو) واسيهِ مَا ضَيّعَ (النّحْوَ) إلاّ بعضُ أَهْليهِ واسْتَشْعِري في (المنَادى) نَبْضَ لَفْتَتِهِ إنّ الحبيبَ مياهُ (النَّدْبِ) تَرْويهِ إنْ (ظَلَّ) (مُبْتَدأً) (كُوني) لَهُ (خَبَرًا) وَتَمِّمي (جُمْلَةَ) الأشْواقِ في فيهِ (وَأَعْرِبي) أَيَّ خَفْقٍ (بَاتَ) (يَنْصِبُهُ) (وَصْلُ) الُمحِبِّ فَيَنْأى عَنْ تَجَنّيهِ وَأَظْهِري كُلَّ شَهْدٍ جَاءَ (مُسْتَتِرًا) (تَقديرُهُ) (أنتِ) في أَبْهى أَمانِيهِ مُدِّي لَهُ مِنْ شِراعِ (العَطْفِ) بارقَةً تُلَمْلِمُ القَلْبَ في دِفْءٍ وتُؤْويهِ (هذا) حَبيبُكِ (مَرْفوعٌ) (بِضَمّتِهِ) فَأَكْثِري (ضَمَّهُ) (فالضَمُّ) يشْفيهِ (هَذا) حَبيبُكِ مَنْ مَرَّتْ جَنَازُتُهُ كُفِّي الدُّموع.. أَيَبْكي المَيْتَ مُرْدِيهِ في دَرْبِهِ (أدواتُ الشَّرْطِ) واقفَةٌ تُمَارسُ (الجَزْمَ) في عُنْفٍ وَتَشْوِيهِ فَالشَّوقُ (فِعْلٌ صَحيحٌ) كُلُّهُ (عِلَلٌ) (مازالتِ) (العِلَلُ) الجَوْفاءُ تُشْقيهِ (وَأصْبَحَ) الدّهْر ُيَشْكُو زَيْفَ مَوْعِدِنا (وَأصْبَحَ) الحُبُّ يُقْصينا وَنُقْصِيهِ بَعْضُ الكلامِ مُبَاحٌ حينَ يُدْهِشُنا وَسِرُّ دَهْشَتِنا في (الحالِ) نُخْفِيهِ أُسْتاذةَ (النّحو) (تَدْريباتُنا) كَثُرَتْ فَهَلْ نُؤَجِّلُ جُزْءًا بَعْدَ تَرْفِيهِ؟ كُلُّ الكتابِ (فَراغَاتٌ) سَنَمْلَؤُهَا (بِمَصْدَرِ) الشَّوْقِ لِلأَحْبَابِ نُهْدِيهِ