ياااااهْ... مااااا.. أقربَ ماااا أبعدَ أنْ تقضي اللحظة في، نطفة لحْظة في دائرة الوقت المسْروق في رحم الكون الأحدب في.. دائرة القطْر المتلاشي في../ بحر لجي ممخور الجنبات، وقفت عامود دخان يتطاول في عينيها شَع شرارٌ يتطايُر يتدحْرج من شُدْقيها سؤالٌ عاتمٌ..، يا ولدي أين طريق القوْزِ المعْروفْ؟ لا.. أعلم قلتُ أنا/ هنالك يمْكن بلْ.. وهَناكَ.. قالت، وتُشيُر إلى أطْرَاف الحَي القابع.. في آخر ركن يفضي لبعيد مجهول.. يمْكن (ياستي).. قلتُ أنا..، أوصِلْني إنْ أمكَنْ؟.. تَراقص منِّي القلب.. تقلبَ في مَكْمنهِ.. خوفاً جزعاً.. عَكَسْتُ الدَّرب هربتُ إلى ما كانَتْ تتجَاهلهُ ......... صُورتها تَتمَددُ قدَّامي. أسْوَدُها.. أسْود من ليْل جاهِلْ. عَيناها منقاران أحدّ من السَّاطورْ. تتعامد حتى تَصِل إلى أفق أعلى كا المارد/ قدمَاها مُشْطا حَطَبٍ أجْربْ. الظِّفرُ بجَنْب الظفر.. حُزْمَة سَعفٍ أشْهبٍ، وفُتاتِ حُثالٍ رائبٍ.. بيْن مسَام الجلد الآفن في جُحْر ظلامٍ يتَعتَّق بالقطْران وغُبار دقِيق عِظامٍ نَخِرةْ/ تَتوَكأ وتئن وتبْصُق.. لافتة أنظارَ الماشِين.. لعلَّ عسَى أيْنَ.. مَتى؟ كلْ الأشياء في (زَنْبيلَ) الحَاوي.. تتجَمَّعُ إثر الإيقاع الرائب والساكن دو/ ري/ مي/ فا/ صو/ لا/ سي. سي/ لا/ صو/ فا/ مي/ ري/ دو. صَعد السّلمَ هَبط السْلمَ وزئيرُ الإيقاع يَفورُ منَ الشّدقين، من الرِّدْفين من كلّ الأطْراف. فعلن فعلن فعلن وفعولن تاهتْ في صَدر مفاعيلن، في طرفة عَين.. ثارَ غُبار الشَّارع/ عَمَّ الأرصِفة المُمتَدة، حتى اقصى الجُدْران المُرْتَجّة.. عِنْد زُقاق الُّدجيْرة، لا تُعْرفُ أين بدايتَهُ لا تُدرك أينَ نهايتهُ، مُنعرجٌ يفضي للآخر والآخرُ يفضي للآخر/ منعرج في منعرج في منعرج آخر من يدَخُله يخْرج منه مجنونا أو شاعرْ. صُورَته طُبعتْ في الأذهان. يتحدثُ عنها الأولاد بأمْ الصُّبيانْ، والنسْوة بالشِّيْفَة والدُّجيْرة والكل رجالٌ ونسَاء صَغروا أو كبروا يتَمرَّغ/ يتَمرَّغْنَ في عُرْفٍ مُتوارثْ. هَنْدَسَهُ مُحْتالٌ حاذقْ. يتمدَّدُ بتَمَدُّد سَاحته، يتأطَّرُ بعَباءته المسْروقة مِنْ بَالةٍ يتمنطقُ بحزامٍ مِنْ خُوْص، وبسيْفٍ من ريْش.. سَيُبارزْ. العُرُفُ بعرفٍ يتولد مِهُ.. بمقاسَات مُختلفة (والحبلُ على الجرَّارْ) قالوا: تتراءى الشِّيفة للإنسان/ في صُورة كلب، أوْ هرة. في جسْم بَعِيْر، أوْ بَقرة. أوْ قطْعَة نارٍ مُشتْعلة. قالوا النِّمْنَمُ والدجيْرة.. رُويَت قَصَصٌ وحكايات واسَاطيْر.. فِيْها النمْنم والدُّجيرة.. فيها الشَّيْفة (وَهَوُلْ اللَّيل) فيْها السُّعْلاة (السعْلوُّة) @@@ يَسيُر بليلٍ فحْميّ الطُّرُقاتْ. يَعْصُبُ أعْينَ كل المَاشيْن.. يُلوِّنُ أجْفانَ الجَالس والواقِفِ، فيرَوْنَ الدَّربَ بدوْن علاماتٍ، غير ندوب.. تَخْرُمُ أقداماً وتشظِّي اظفارا وتلُوكُ وتَعْجنُ كلَّ مُوَالٍ، أوْ مُحْتك/ @@@ القوْزُ بَعيْدٌ.. والوصفُ من النَّاطور يغيبُ بكلمات يطويها لعاب يُمْتَحُ من بئر ناضب، وبدَلو مخْروقْ. على شقة بَعيْر تتدلى.. وتطال الآخر من كل الوجهات. تتثاءبُ.. تتمرَّغ.. تتمغَّطُ.. تتكرمشُ..، والوَصْفُ يَسيرُ على المقلوب/ والنمنم صورتُها تمتدُّ وتعرضُ في الأفق المربوط بِفكْر.. المتمشي هَوْنا فوق قشور البيض/ يخشى ويخاف النَّمنم.. تأكله وتَمص دماءه وتقرقش عصعصهُ وتلوك اللحم مع الأعصابِ، وتمْسح شدقا مصبوغاً بالدَّم بترابٍ مسحوق/ عَووْووووو تتمدد قدَّامهْ. لا يبصر شيئاً إلا من ثقب أضيق من ضَيِّق. بَحّرَ بَحْلقَ يَتَفحَّصُ وجْها تَعْلوهُ الصُّفرة والخضرة والحُمرة، والأزرق يطغى،.. اختلطت كل الألوان فكان سواد/ @@@ دَخَل زقاق الدجيرة المرَّة تِلو المرَّة، وخَرَجْ.. مجنونٌ/ شاعر.. في الأولى يهذي ويجمجم.. (حن قلبي على الفولْ والتميس البخاريْ والبَرَّادْ أبو عَشَرَهْ، والسِّراجْ القماريْ) تنداح أخرى قربها مستبشرة... ....... (عَبْد الرّحمن كوكيَّهْ.. طلق مرته العرية.. علشان صحنين ملوخية) شلة في الخلف/ قدَّام..، يتقدم واحدٌ عن آخر.. ماذا يجري؟.. والخوف بأعينهم يبني سلمه، الطابق من فوق الطابق في زورق جمل مهملة الكلمات. هاجت أمواج حروفٍ.. تسفح أركان الزَّورق.. في كلِّ جهاته... يترنح سَكْرانا في أمداء البحر الهائج..، دوَّاماتُ عواصف دامَتْ.. تُدَوِّي وتدور فتدورُ الهَاماتُ، تضيع الطرقاتُ وتختلط الوُجاهات.. فيتيهُ التيهُ.. تتوارى كل علامات الدَّرْب المَرْسُومة. @@@ الدجيرة تدق بعصاها قارعة الدَّربِ.. فتثير دُخانا وضباباً.. يتعالى خوار وثغاءٌ، ونعيب غراب في الظلمة. والناس نيامٌ صرعى الأحلام. لوْحَاتٌ تعرض عند الأسواق..، وفي الطرقات وتطرق كل الأبواب/ باباً باباً باباً صور السعلوة والدجيرة والنمنم.. وتُؤطِرُها صُورُ المَجْنونَة والشَّيطانْ. يَعْرضها العملاق.. ويدور الملح وسط الإعصار.. تتجلى الصور أمامه..، فيصورها.. لوْحاتٍ لوْحاتْ. ويبيع هواءً وخيالاً، وكلاماً، و(خُراطاً)، وبيضاً من ذهبٍ..، وبساط رمادٍ..، وحوتا بالشَّعَر، ووعُولا بالرَّيش، وطيوراً بالأصْدافِ..، و و و... ودُخَان بَخُور يصَّاعَدُ. وصغار الحي ينادون صغار الحي الآخر: فيكم.. الدجيرة.. (فييييكم) يزداد تحريهم/ هُن.. عَنْ خبر الدُّجيْرة والخوف يعلبهم وحدانا وجماعة.. والعمدة يرغي ويباهي.. (فين الدُّجيْرة؟.. كَلامْ فاضي) ويحملق حيناً ويحوقل.. داخله يهتز/ يتداعى.. لكن يتماسك خوف العار أمام الناس.. ويطول عليه الليل.. فيسامر أشباحاً.. ويطارد أحلاماً لليقظة تتواثبُ.. حُلماً حُلماً حُلماً. ويهيم ويسبح في بحرمن أوهام. يتوارى ملفوفاً في قرطاس المجلوب من الآماد..، ويكوع عند المنعطفات يمد يديه ويشحدُ سابلة الدَّرب الممرورينَ/ العصبيينَ مع الموتورين المعتقلين بقيد الماضي الساحق قبل وقبل حكايات اساطير جدود الأجداد المنحوتة بالتحنيط وعند ركام الموروث والنَّاكس للعقب بشهوات المملين عليه بدون مراجعة يفعل مما لا يعقل ويغوصُ ويغرق ويذوب كملح/ سُكَّر، لا أحدٌ يسألُ خوفاً مما يختبئ في ركن الثوب المشدود بأوتاد خيام الكون المبعوج البطن مثل محيطٍ هادر @@@ أخذ العمدة في المركازِ.. يحكي عن الدجيرة.. ويقصُّ: مرة كنا على رأس الجبل.. ليلنا كان بهيماً وسماء حالكة وظلامٌ في ظلامٍ فَ بدى ومضٌ بعيدٌ قلتُ للصَّب يقينا: من هنا كان الطريق. فَ مَشَيْنا.. وَمَشَيْنا.. والمسافات توالت ثمَّ.. شيئاً بعد شيء فَ إذا هي قد تلاشتْ ثارت الظلمة واسودَّ الظلام.. لم يكد يبصر البعضَ منا البعضُ إلا بالكلام، أو بجزء من خيال يتحرك/ تارة ثم يغيب.. فبدا الومض يراوغُ.. من مكان لمكانٍ.. فأكلنا من سنامات المسافات كثيراً. بَهَتَ الضُّوء.. تَضَاءل.. فَ اختفى../ ومضى الليل يطول.. ويطولُ، فإذا جاء الصبَّاح.. كان موقعنا (قاب قوسين وأدنى) وعلى مرمى حَجَرْ فَ يُهَمْهِمُ أحد الجلاس: (حُوْتة) وإذ شيخ تدثر بعباءات غُبَار العمر..، مَشَّط اللحية.. تَلمَض: مرَّة.. كانت (الشيفة) خلفي مثل (شاةٍ) فأمعنتُ المسير..، وتلفتُّ فإذاها تتهادى مثل (بَقرة) وإذا ما تلفتُّ أخرى تَبَدَّت لي (حمارة) لمْ أبَالِ.. تقترب منَّي خطاها فمددت الكف منِّي ولمستُ الرّأسَ منها قلتُ: هذا الشَّعْر وافِ.. ر قالتْ: بل عقلك أوْفَر. فَ تلاشتْ.. هَمْهَم الآخر.. (أرْنَبْ) @@@ فَ الدّجيرة والنَّمنمُ والشِّيفة والسّعلوة وأمُ الصُّبيان/ حكايا وأقاويل يعلكها الإنسان في كل زمان، في كل مكان، بكانَ وكانْ. في الزَّمان القديم.. كانَ وكان. وحتى الآنْ..، يتلذَذُ فيها الإنسانُ، تنقلها أجْيالٌ عَنْ أجْيال.. الرياض 5/5/2005م إشارة ٭ للتعريف بالدجيرة لم أجد أنسب من إيراد ما كتبه أستاذنا الراحل الشاعر أحمد قنديل في الحديث عن الدجيرة بأسلوب الفكر (الفصحعمي) الذي يحبذه عندما يكتب في المسائل الشعبية التي اشتهر في الكثير منها.. وخصوصاً في كتابه (أبوعرام والبشكة) وديوانه الزجلي الشهير (المركاز).. الدجيرة.. والدجيرة هذه - للتعريف لمن لم يعرفها - سيدة جنية من سيدات الجن المشهورات بحبهن للمداعبة البريئة.. وللمباسطة غير العدائية.. وقد تخصصت دون بنات جنسها في التريقة على من لا يعودون لبيوتهم إلا بعد منتصف الليل.. وبصورة اخص على العسس.. وعلى القراء الذين يحيون ليالي الأربعين والحول بالقرايات في بيوت أهالي الموتى.. وربما.. وربما تعرضت الدجيرة لبعض مطاليق.. أو مشاكلة الحارة لكسر أنوفهم.. وللرقص.. بنبابيتهم ليلاً وعلى انفراد بهم.. رقصة المزمار!! وجميع المعاصرين من كهول جدة.. ورجالها.. وشبابها أيضاً يعرفون جيداً زقاق الخنجي.. وهو الزقاق الملاصق غرباً لقصبة الهنود.. وشرقاً لبيت بادكوك القديم.. وهو أيضاً زقاق ينقسم إلى قسمين متلاصقين ضيقين لا يتعدى عرض أولهما الشرقي المتر الواحد.. ولا يزيد عرض ثانيهما الغربي على المترين.. ولقد ذهب في الهدميات الأخيرة.. وأصبح جزءاً لا يتجزأ من شارع الذهب!! في هذا الزقاق.. يا سادتي.. ولدت «الدجيرة» منذ أكثر من قرنين ونصف القرن لأبوين معروفين مسجلين في سجلات مواليد الجن.. وهما البعبع.. والهمية.. وفي أحضان هذا الزقاق الضيق نشأت البنت نشأة خرافية الحياة.. خيالية التربية.. وكانا كما يؤكد العم أبوتريحب في جلساته بقهوة سوق الجامع انهما أبوان محافظان.. ولكن الدجيرة العفريتة كانت من صغرها بنتاً لعوباً.. ثم أصبحت فتاة وتزوجت من أحد أترابها من طائفة «بسم الله، بسم الله» خالعت زوجها مقابل مهرها من صبيحة ليلة الدخلة.. ونعرت على حد قول أهلها المحافظين، أو تمردت.. واستقلت بحياتها على حد تعبير زملائها المجددين العصريين التقدميين، فأصبح همها.. كل همها.. معاكسة رجال الانس.. والتعرض لهم.. ومجافاة رجال الجن!! ولقد انفردت الدجيرة بطريقتها الشعبية البلدية الخاصة.. فقد كانت كما يؤكد كل من قابلها أو تعرض لمعاكساتها أول ما تبدو ليلاً للمارة في زقاق الخنجي تبدو في شكل سيدة من سيدات البلد المحافظات.. وكلهن كن محافظات.. فهي ترتدي من الداخل الكرتة الطويلة الذيل والأكمام.. وتحتها السروال المصري أو الحلبي.. وعلى رأسها المدورة.. وبيديها البناجر.. وبساقيها الخلاخيل ذات القلاقل.. ذات الرنين العالي.. وبقدميها البابوج والخف الاسطمبولي.. ملفوفة بالقنعة السوداء التركي أو الجاوي.. وعلى وجهها البرقع لا يظهر من ثقبيه إلا العينان الدعجاويتان.. وتمشي الهوينى في تعثر وتكسر ظاهرين مشية يسميها الخبثاء مشية «اليعسبة» حاملة بقشة.. أو بقجة كما صححها أبو تراب.. فحين يمر عابر السبيل من زقاق الخنجي أو من الأزقة المجاورة له.. ويراها كذلك.. يطوف برأسه.. فالدنيا نص الليل.. طائف شيطاني خبيث.. حيث يسمع باذنيه رنات الخلخال.. وصليل البناجر.. وتفاجئه النظرات الساحرة من ثقبي البرقع.. فلا يكاد يحاذيها أو يلتصق بها حتى تتسرب لأنفه رائحة اللونطا - اللافندر - مديرة رأسه.. وحتى تملأ سمعه نغمة ساحرة.. منغمة.. مغردة.. قائلة له في سحر أخاذ.. وفي لهجة مهذبة «أوه.. من فضلك ممكن تشيل لي البقشة دي؟ وتوصلها معايا للبيت؟» فلا يجد العابر الشجاع الشهم.. وكل عابر في منتصف الليل من زقاق الخنجي شجاع وشهم.. لا يجد إلا الإجابة الفورية المتلهفة.. هاتي يستي.. أنا تحت أمرك.. فتضحك.. ثم تناوله البقشة.. وتتقدمه بخلاخيلها.. ورنات بناجرها.. وبقوامها اللدن يتثنى.. ويتكسر.. ويتعثر في غندرة مثيرة!! وهنا.. كما يقول العم ابو تريحب.. يبتدئ اللي.. حيث تقطع الدجيرة زقاق الخنجي الضيق جداً وتكاد أنفاسها تحرق مرافقها حامل البقشة.. ذاهبة.. آيبة.. لمرتين أو أكثر مما يدخل الرهبة تدريجيا بقلب الشهم الشجاع.. وفجأة.. وحين ترسل الدجيرة ضحكاتها المجلجلة المدوية دون انقطاع.. يصرخ المرافق محاولا الهرب.. ولكنها تسد عليه طريق الفرار.. فيبتدئ في الصراخ.. ثم العويل.. ثم.. إن الصراخ ممن لا يتحكمون في عضلات بطونهم.. يجعل المرء.. يأخذ في أسباب القذف على ملابسه بمخزونه البشري متقطعا يابسا.. او سائلا في اسهال متوال طويل.. وحينذاك.. وبعد أن تكون الدجيرة قد عملتها فيه تختفي.. كفص ملح ذاب.. من أمام عينيه.. ومعها بقشتها.. بعد أن تودعه بقهقهة صاخبة رهيبة!! تلك هي لعبة الدجيرة في زقاق الخنجي مع العابرين العاديين. اما حين يكون المار أحد المطاليق أي مشاكلة الحارة فإنها في نهاية اللعبة تأخذ منه عصاه.. أو نبوته المزقر.. وترقص له رقصة المزمار.. دائرة حواليه.. وهو جامد في مكانه لا يتحرك.. ولا يسمع له صوت الا أصوات الأرياح السفلى مشفوعة كذلك بقذف بعض المخزون البشري.. في فزع وارتجاف. - أحمد قنديل -