كان حديثنا عن صالات الأفراح، وعن «زواجات» ثلاثة شباب، لكل واحد منهم حكاية، وأظن أنني ذكرت لكم في نهاية المقال أن للحديث بقية، ما لا أذكره الآن هو ما هي هذه البقية، وهذا يوضح لكم حالة الفوضى العقلية التي وصلتُ لها، المهم وحتى لا أزعجكم بالحديث عن نفسي رغم أنني أرى في ذلك أقصى درجات الشفافية - ولا تسألوني ما الذي أقصده بالشفافية، كل الذي حصل أنني أردت أن أضع كلمة «شفافية» في جملة مفيدة- والآن وبعد أن تحدثنا في كل شيء إلا عن موضوع المقال سنضع نقطة ونبدأ من أول السطر، يمكن نتذكر. انطباعي الشخصي - وهذا ليس بالضرورة أن يكون صحيحا - هو أننا نجد في الزواج حلاً لجميع المشاكل، فالفتاة التي لا تريد الدراسة مثلا أو التي لا تجد مكاناً في كلية أو جامعة عليها أن تنتظر عاطلة حتى يأتي عريس الغفلة الذي يحمل بين يديه الحل لجميع مشاكلها. الشاب الذي يعيش حياة تشابه حياة الثلاثة الذين ذكرتهم في المقال السابق سواء أكان فاشلاً دراسياً أو متذبذباً أخلاقياً أو لا يعرف إلا الحوار بالأيدي والضرب، الحل الوحيد لمشاكله أو للقضاء على مشاكله هو أن يتزوج ليصبح مشكلة امرأة أخرى. وهذا يدفعني للتساؤل ماهو مفهومنا للزواج؟ هل الزواج صالة أفراح ومغنية ومعازيم ومهر وشبكة تدور بين الجارات حتى يرينها، وخاتم تحمله الفتاة في يديها لتريه لصديقاتها وهي تحلم بحياة زوجية تشبه ما تقرأه في الروايات؟ هل الزواج ينحصر في الشكليات التي نهتم بها لأننا مشغولون إلى حد كبير بالآخرين ونظرتهم لنا؟ لنعدْ السؤال: ما هو مفهومنا عن الزواج؟ هل الزواج مجرد شيء ثانوي؟ هل الزواج مثل حبة البنادول نستخدمها عندما يداهمنا الصداع وآلام الأسنان وأوجاع الظهر وآلام الركب وطنين الأذن وتقلبات المعدة؟ حتى عندما نفكر في مساعدة إنسان فإننا نتحدث عن مساعدته لإتمام زواجه ولا نفكر كيف سيكمل حياته بعد ذلك مع هذه الزوجه وهذه العائلة وهو لا يملك عملا مستقرا ولا عائداً مادياً دائماً يتيح له أن يعيش في راحة، معتقدين أن وضعه سيتغير للأحسن، بينما الخيار الأفضل هو والأولوية هي مساعدته ليقف على قدميه في حياته العملية قبل أن يفكر في الزواج ويتحمل مسؤولية مادية وأسرية هو غير قادر على تحملها بعد، ما أريد أن أقوله هوأننا مستعدون لمساعدة شاب عاطل على الزواج قبل أن نفكر في مساعدته على إيجاد عمل دائم يستقر فيه، وقد أكون مخطئة في ملاحظتي هذه وأنا لا أحاول التعميم. من حكاية الشبان الثلاثة وحكايات الكثيرين مثلهم قد نجد أن نظرتنا للزواج قاصرة. فعلى سبيل المثال عندما تعلن شركة أو جهة ما عن وظيفة فإنها تطلب مهارات معينة في المتقدم، ونحن عندما نتقدم لهذه الوظيفة ونسعى للحصول عليها بالإضافة لبحثنا عن واسطة فإننا نحاول قدر المستطاع أن نستوفي هذه الشروط من دورات تدريبية وشهادات تدل على أننا نعرف بعض الشيء ولغة أجنبية نظهر مفرداتها حتى نتقدم في المنافسة، يعني ببساطة نحن نستعد أكمل استعداد للحصول على فرصة العمل هذه مرددين بأنها فرص لا تتكرر. أما الزواج فاستعدادنا له لا يتعدى السفر إلى لبنان أو دبي أو باريس أو نيويورك للتجهيز وشراء المستلزمات من ملابس وحاجيات والانتقال من معرض آثاث إلى آخر لشراء مستلزمات المنزل وترتيبها، و«بشت» وثوب أبيض وغترة منشاة، وسيارة فخمة تستئجر أو تستلف من صديق أو قريب حتى يخرج بها العروسان أمام «المعازيم»، وبيتين من الشِّعر يكتبهما شويعر لم يسمع به أحد يتحدث عن الهناء والسعادة التي سيلاقيها فلان وستجدها فلانة، وانتهى الأمر. أما النتائج أو الآثار السلبية أو الإيجابية أو الإيجابية المغلفة بسلبية أوالعكس فنحن لا نفكر فيها ولا نحاول أن نشغل أنفسنا بعواقب اختياراتنا أو استعجالنا، وفي النهاية هناك حتما من سيدفع ثمن زواج يشابه زواجات «الشبان الثلاثة» الذين تحدثنا عنهم في المقال السابق. وسننهي المقال الذي تداخلت أفكاره وتشتتت أكثر مما تجمّعت بسؤال مكرر: ما هو مفهومنا عن الزواج؟ كيف ننظر إليه؟