إذا نظرنا إلى الأمور التي تطرق إليها الشعر النبطي عموماً نجد أنه لم يترك في الغالب موضوعاً مبهماً أو غائباً عن ذاكرته. وما يعنينا هنا هو ذكر هؤلاء الشعراء بشعرهم في الدنيا وما هي عليه من حال وأحوال على مختلف الوجوه وكيف ترجموا نظرتهم لها، وما هي فلسفتهم فيها التي صاغوها شعراً نبطياً مبدعاً. فنجد ان الشاعر الكبير.. محمد بن عبدالله القاضي المتوفى سنة 1285ه - رحمه الله - يرى أن الدنيا لا يطال لها آخر وانها في الاقبال لا تزيد إلا ابتعاداً؟! وان جمالها وزينتها وزخرفها توازي أحلام الليالي وأضغاثها التي سرعان ما تنقشع عند الصباح. يقول القاضي - رحمه الله -: أجل عنك ما الدنيا بيلحق لها تالي غرور ترد الحزب الأول على التالي قبوله دبور لو لحي تزخرفت فهو مثل حلم الليالي يصبح وهو خالي وهو يترجم لنا شعراً كيف أن دنياه قد اعتذرت له في إيجاد من يكون له مخلصاً وأميناً ووافياً، وأهلاً لأن يكون مستودع سره.. لنقرأ حينما يبدع: إلى أبصرت بالدنيا تكدر لي الصافي تعذر زماني ما حصل صاحب صافي أفيض عليه أسرار ما التج بالحشا وكل شعيب له مفيض إلى طاف والقاضي يرى ان الإنسان لو أحب الدنيا وعشقها فسوف تكافأه بالتنكر والابتعاد عنه.. حينما يقول: ومن رامها عشقان وأغرى بها فسوف يروى منها تناكير وعياف وهو - رحمه الله - كما يرى أن الدنيا لا تعطيه الصديق الذي ينشده، ولا تجازيه إلا بالصد والهجران فهو يرى انها فوق ذلك خانته على ما يقاسيه من صد الحبيب وهجره وأخلاف الوعود.. يقول: خانت الدنيا وهجرانه شديد وخانت الدايات باخلاف الوعود من وراهن ما تفيد ولا تصيد غير ضحضاح على صوحه تعود هذا ما يراه شاعر مجيد من شعراء الجزيرة العربية عندما يتفكر ويتبصر في دنياه الغرورة. ولكن ما هو رأي ونظرة علم آخر من أعلام الشعر النبطي.. كيف رأها، وما هي فلسفته الشعرية حول موضوعنا. لنقرأ للشاعر العملاق بديوي الوقداني - رحمه الله - رأيه في الدنيا - دون حاجة لشرح أو تعليق - فلست أرى داع لذلك لما له - رحمه الله - من تصوير بديع وفريد، وسبك وجزاله في شعره، فالوضوح كل الوضوح يتجلى عندما يتحفنا ذلك العلم المشهور صادحاً، وهو يعني الدنيا: تاعد مواعيد والجاهل ما يكذبها واللي عرف حدها من همها سالي أن اقبلت يوم ما تصفي مشاربها تقفي وتقبل وما دامت على حالي في كل يوم تورينا عجايبها واليوم الأول تراه أحس من التالي أيام في غلبها وأيام نغلبها وأيام فيها سو الدهر ميالي جربت الأيام مثل من يجربها تجريب عاقل وذاق المر والحالي نضحك مع الناس والدنيا نلاعبها نمشي مع الفي طوع حيثما مالي أعرف حروف الهجا بالرمز واكتبها عاقل ومجنون حاوي كل الاشكالي لا شك حظي ردي والروح متعبها ما فادني حسن تاديبي مع أمثالي وهي قصيدة طويلة تتجاوز الخمسين بيتاً أبدع فيها بديوي - رحمه الله - أيما إبداع وهو يصف الدنيا أيما وصف. والحديث عن مفهوم الدنيا لدى شعراء النبط يطول جداً متوسعاً ومتشعباً إلى أودية متفرقة لا يلحق لها آخر.. وذكر الشعراء الذين تطرقوا للدنيا وأحوالها مفهوماً وتصوراً لا يدرك لهم عدداً أو يحصر ذكرهم قديماً أو حديثاً.. وأنما هذا جزء من - كل، ويسير من كثير.. فالمراد هنا إشارة مبسطة للدنيا بمفهوم الشعر النبطي.